رهائن في السياق الإقليمي

عبدالوهاب بدرخان (النهار)

تعاملت الدولة مع خطف الطيّارَين التركيين بنهجين متناقضين. وزير الداخلية يبذل ما يستطيع لإطلاقهما واعداً بـ “نهاية سعيدة” أي بعودتهما سالمين. ووزير الخارجية يبرر خطفهما حين يقول إن أحداً في لبنان “لا يقتنع بأن السلطات التركية لا تستطيع القيام بعمل لإطلاق مخطوفي أعزاز”. وبين هذا وذاك قعد الجميع يرثي لحال مطار بيروت مستذكراً أحداثاً من ثمانينات القرن الماضي عندما وُصف طريق المطار بأنه أخطر المناطق في العالم بالنسبة الى الأجانب.

والواقع أن المطار مختطف منذ ذلك الوقت، واذا كانت سلطة لبنانية تتولّاه صُورياً فإنها فعلت ذلك في حضور ضباط سوريين أيام “نظام الوصاية” وتحت إمرتهم عملياً، ثم انتقلت الإمرة الى ميليشيات “الوصاية البديلة”. منذ زمن لم تعد الأوضاع في المطار ومحيطه سرّاً لأحد، وفي السابق كان سوريّو النظام عرّابي عمليات الخطف ومنفّذيها، أما اليوم فأصبح المنفّذون عرّابي أنفسهم، علماً أنهم قدّموا كل العهود بأنهم أقدموا على تلك الممارسات”اضطراراً” حين كانوا في مرحلة “التمكين”، وأقلعوا عنها بعدما قصروا أنشطتهم في “المقاومة ضد العدو”.

ها هي قضية مخطوفي أعزاز “تضطرهم” لاستعادة ما تطبّعوا عليه. أما وضع أهالي المخطوفين في الواجهة فلا يغيّر شيئاً في دوافع السيناريو، الذي يواكب المبارزة الايرانية – التركية في سياق الأزمة السورية، كما أنه يلبّي أجندة مدّ هذه الأزمة الى لبنان. كان الفصل العملي الأخير ما أُعلن عن لائحة معتقلين سوريين سُلّمت الى دمشق لتبتّ الافراج عنهم مقابل مخطوفي أعزاز، وقال مدير الأمن العام وقتها إنه متفائل بانفراج قريب. كانت هذه محاولة لتكرار سيناريو مبادلة أسرى ايرانيين لدى المعارضة بأسرى سوريين لدى النظام. لكن هذه العملية نجحت لأن طهران استخدمت علاقاتها التركية والقطرية ولم تسمح لدمشق بالمساومة على مصير أسراها، أما بالنسبة الى مصير لبنانيي أعزاز فمن الواضح أن دمشق رفضت وأن طهران لم تضغط. بل ان النظامين وجدا فرصة متاحة لكسب تحدٍّ أمام تركيا: إما بإحراجها لتمارس ما لديها من نفوذ على خاطفي اللبنانيين فتجازف بصورتها وسمعتها لإنقاذ طيّاريها، وإما بإخراجها كلياً من لبنان اذا تطورت قضية المخطوفين دراماتيكياً.

أين الدولة اللبنانية من كل ذلك؟ حتى مجرد السؤال أصبح بلا معنى. هناك وزراء وعسكريون زاروا أنقرة لمعالجة الملف، ولا بدّ أنهم عرفوا أي دور لتركيا فيه. فلو كان الحل كلّه عندها وماطلت فيه لوجبت مصارحة اللبنانيين جميعاً، وليس أهالي المخطوفين وحدهم. أما اذا كان الحل في دمشق ولا تلبّيه حتى اكراماً لـ”حزب الله” الحليف المقاتل في صفوف نظامها فلا المصارحة متوقعة ولا عودة المخطوفين ممكنة.