حصان طروادة الإيراني!

راجح الخوري (الشرق الاوسط)

بكّر حسن روحاني في تنبيه الذين ينتظرون منه تغييرا في سياسات إيران الخارجية، وخصوصا في ما يتعلق بخريطة تدخلاتها الإقليمية المتصاعدة، إلى ضرورة «الابتعاد عن الخيال والأوهام»، لأن جل ما يستطيع أن يفعله رئيس لإيران، هو السير على حبل يرتفع فوق هوة الفشل وليس في يده غير العصا التي يعتمد عليها لـ«الموازنة بين المبادئ والواقع».. أما المبادئ فهي تلك التي يسهر عليها المرشد علي خامنئي، وأما الواقع فهو ما تمليه سياسات الحرس الثوري في الإقليم!

 الخبراء في صيغة السلطة التي تدير إيران ليسوا في حاجة إلى كلام روحاني ليعرفوا أنه يأتي رئيسا لمهمة محددة، وهي محاولة فك أسر الاقتصاد المترنح تحت وطأة مروحة من العقوبات، كان آخرها القرار الأميركي المفاجئ عشية قسم روحاني اليمين الدستورية، الذي فرض حظرا على الذهب فأقفل الباب أمام مقايضة طهران صادراتها من الغاز والنفط بهذا المعدن الثمين الذي كانت تحوله لدولارات، وهذا ما يخفض صادراتها مليون برميل يوميا!

 بالنسبة إلى الكثيرين يبدو روحاني وكأنه «حصان طروادة الإيراني» الذي يحاول نظام الملالي إنزاله داخل «القلعة الأميركية والغربية»، في محاولة لترتيب عملية التفاف على العقوبات من دون الحاجة إلى تغيير حقيقي لا في المسار النووي وعمليات التخصيب ولا في المسار الإقليمي وعمليات التدخل والتخريب، وليكن واضحا ومعلوما مثلا أنه «لن تزحزح أي قوة في العالم علاقة إيران بسوريا» كما تعمد روحاني القول، مؤكدا الالتزام أمام خامنئي، ومسقطا الأوهام أمام الذين ينتظرون تغييرا في السياسة الإيرانية الخارجية، وخصوصا في الإقليم!

 إنه رجل إيران لمهمة محددة، أي منع الاختناق الاقتصادي، لكن الذين يعرفون أن حبل السياسة هو الذي يطوق رقبة الاقتصاد يدركون أن روحاني يستطيع أن ينفس من حال الاحتقان الداخلي المتزايد منذ قمع «الثورة الخضراء»، لكن رغم دعم الإصلاحيين له لن يتمكن من تخفيف ضغوط القبضة الحديدية للنظام على الداخل، والدليل البسيط مثلا أن الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي منع من حضور حفل القسم الذي حضره ممثلون من 55 دولة، وقد أعلن حيدر مصلحي وزير الاستخبارات في حكومة محمود أحمدي نجاد، أن خاتمي منع من الحضور بسبب «دوره في فتنة 2009»!

 لم يكن في وسع روحاني الذي أشاع فوزه أملا في الغرب بفتح صفحة جديدة مع طهران، والذي يرفع شعار «التغيير والحوار بدلا من العداء والعقوبات»، إلا أن يطل بحكومة جديدة من التكنوقراطيين الذين ستوكل إليهم مهمة عسيرة تتمثل في إنعاش الاقتصاد ومحاربة الفساد المستفحل في الداخل، لكن معالجة المسألة الاقتصادية تتطلب مقاربات إيرانية ذات صدقية في الملف النووي، فليس سرا أن عشرات الاجتماعات عقدت حتى الآن ومنذ كان روحاني كبير المفاوضين أيام خاتمي مع الدول الغربية، ولكن من دون التوصل إلى نتائج تحول دون المضي في فرض العقوبات على طهران.

 ليس كافيا أن يعد روحاني بأن حكومته ستبذل الجهود لإرساء الاعتدال والحد من التهديدات، فالسياسات التي تقرر هذا الاتجاه هي عمليا وفق «الواقع» الذي نبهنا إليه في يد المرشد والحرس الثوري، وعندما يصف إيران بأنها «ساحة استقرار في منطقتنا»، فإنه يبتعد كثيرا عن هذا «الواقع» لأنها تمثل في نظر الكثيرين عكس ذلك تماما أو كما وصفها أحد المعلقين بأنها «فبركة كبيرة للتخريب في المنطقة والعالم».

 أما عندما يقول إن «إيران تبحث عن السلام والاستقرار وتعارض تغيير الأنظمة السياسية أو الحدود بالقوة أو بتدخلات أجنبية»، فمن الضروري أن يتأمل في مسارات السياسات الإيرانية التي تقوم على التدخل والتحريض والتعطيل والتخطيط لخلق الفوضى والاضطراب ومحاولة تغيير الأنظمة، وله في هذا الكثير من الأمثلة الحية والناشطة حاليا على مسارح الدول الخليجية والعربية.

 وعندما يعد روحاني بأن حكومته التي ضمت ثلاثة محافظين وسبعة إصلاحيين وأربعة معتدلين وأربعة مستقلين، ستعمل على تعديل الصورة على قاعدة الاعتدال، عليه أن يتذكر أنه في كل هذا سيظل في حاجة إلى مباركة علي خامنئي التي تبدو صعبة ومتعبة، ولهذا فإن مراهنته على ردم الهوتين الاقتصادية والاجتماعية تبدو محفوفة بكثير من الأمل الزائف.

 طبعا ليس كافيا قول روحاني إن «التهدئة والشفافية ستحددان مسيرتنا، وإن إيران لم تكن قط داعية إلى حرب مع أي دولة»، فلا التهدئة تأتي من عنده ولا الانسحاب من التورط في حروب الآخرين وآخرها في سوريا يأتي من عنده.. والتغيير في إيران لا يخرج إلا من عباءة المرشد.