ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

رامي الريس (الجمهورية)

لم يكن مستغرباً أن يتلقف رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط المواقف المتجددة المؤيدة للحوار (وبعضها لم يكن بعيداً عن المشاركة في صنعها)، لا سيّما أنها تتقاطع مع مواقفه السياسيّة التي دأب على تكرارها منذ سنوات، وتحديداً بُعيد خروجه من واقع الاصطفاف السياسي الذي تمظهر منذ العام 2005 بانقسام فريقَي «8 و14 آذار».

لقد سعى جنبلاط منذ ذلك التاريخ إلى إقران مواقفه السياسيّة بالأعمال الفعليّة، فرَفع شعار الاستقرار والسلم الأهلي على قاعدة أنّ أي أكلاف سياسيّة يمكن أن تدفع لحماية هذا الاستقرار، تبقى أقل ثمناً بكثير من وقوع الانفجار والفتنة، ولأنه مقتنع كذلك بقاعدةٍ قلّما إهتم لها الكثير من القيادات السياسيّة اللبنانيّة، ترتكز إلى أنّ معيار المواقف الوطنيّة لا يكون بالضرورة شعبيتها، ذلك أن رجالات الدولة قد تضطر في الكثير من الأحيان لاتخاذ مواقف هدفها الأساسي أن تصب في المصلحة الوطنيّة العامة، ولو أنها لم تعبّر عن التطلعات الشعبيّة في تلك اللحظة السياسيّة بالذات.

أما تأييد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي للحوار، فلأنه يدرك أن الأزمة السوريّة ستكون، على الأرجح، طويلة المدى، وهو الذي يقرأ بدقة التحليلات والمواقف السياسيّة والديبلوماسيّة الإقليميّة والغربيّة ويعلم انعكاساتها على الشرق الأوسط، الذي أصبح على فوهة بركان بفعل سياسة التخاذل التي تعاطى بها المجتمع الدولي مع النار السوريّة التي تمتد تدريجيّاً نحو دول الجوار وتنذر بعواقب وخيمة، لن يكون لبنان بمنأى عنها.

صحيحٌ أن سقف التوقعات السياسيّة من أي حوار مأمول قد لا يكون مرتفعاً بفعل الانقسامات السياسيّة الحادة وبسبب إدراك مدى إرتباط سلاح “حزب الله” بمنظومة إقليميّة تبدأ في طهران مروراً بدمشق وصولاً إلى حارة حريك.

ولكن هذا لا يلغي ضرورة تكرار المواقف المبدئيّة التي تتمثل في الحاجة للتوصل إلى بناء تفاهم وطني حيال خطة دفاعيّة تحتكر الشرعيّة فيها السلاح دون سواها، كما تحتكر حصراً وظيفة الدفاع عن لبنان وهو الدور الذي تمارسه كل الدول، مع إمكانيّة، لا بل حتميّة الإفادة من خبرات المقاومة وقدراتها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

ولعلّ الحوار يفيد كذلك في “تقطيع” هذه المرحلة الشديدة الحساسيّة على المستوى الإقليمي، ويجنّب لبنان الاشتعال الذي قد يبدو محتوماً ما لم تتداركه كل الأطراف السياسيّة وترتقي في أدائها ومواقفها إلى مستوى أعلى من العقلانيّة والمسؤوليّة.

وأولى احتمالات ترجمة هذا الارتقاء غير المحقق حتى اللحظة تكون في تسهيل تأليف الحكومة الجديدة عبر الإقلاع الفوري عن الشروط والشروط المقابلة، بما يتيح إعادة “لملمة” الوضع الداخلي وضبط حال الفلتان الأمني المستشرية والمتنقلة مناطقيّاً، والالتفات إلى الملفات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة المهملة بالمطلق.

أما وأنه لم يعد مستغرباً أن يُسجّل وليد جنبلاط موقفاً مؤيداً للحوار الوطني، إلا أنّه أرفَق هذا الموقف بالدعوة إلى حوار درزي داخلي بين رجال الدين والمثقفين والسياسيين في محاولةٍ منه لفتح مجالات جديدة تحول دون انزلاق طائفة الموحدين الدروز نحو التقوقع والانغلاق، وذلك يتحقق من خلال سلسلة خطوات، إحداها أن ترتكز الثقافة الدينيّة على التسامح والعقلانيّة، لا سيّما أن العقل يحتل مكانةً مهمة في الفكر والفلسفة التوحيديّة.

إذن، لا مفرَّ من الحوار على كل المستويات، لأن البدائل غالباً ما تكون قاتمةً ومظلمة. فبعض الخطوات الاستباقيّة في هذا المجال سيكون لها الأثر الإيجابي على أكثر من صعيد!

—————————————-

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Facebook: Rami Rayess

          Rami Rayess II

Twitter: @RamiRayess

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

الجيش: ماذا بعد صيدا؟

خامنئي- روحاني- قوروش!

عندما ستدير أميركا ظهرها!

تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

الأرثوذكسي والشمبانيا!

سياسات التصفية والنتائج العكسية

التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!