الاسلام السياسي: الصعود الى الهاوية

بشار العيسى

شاءت الصدف انني امضيت ذروة أيام أحداث مصر التَّمرّد على الأخوان في تونس، في استضافة مدينة “المحرس” المدينة الساحلية الصغيرة ـ جهة صفاقس العريقةـ حيث يقام منذ 26 سنة مهرجان دولي للفنون، تتحول معه المدينة بشارعها الوحيد تقريبا على امتداد الكورنيش البحري الى عرس صيفي دولي وجهوي وتونسي.

كل قادم يعتبرها منذ اليوم الأول لوصوله مدينته، لبساطة اهلها وشهرة مهرجانها الاقدم عربيا ومتوسطيا بالتواتر وحسن ضيافة القائمين بأمره، الذين ما ان تصبح في فضائهم حتى يشعروك انك المقيم وهم الضيوف.
ما بين النزلين ( الفندقين) الذين تربطني علاقة سنين بالقائمين عليهما نقترب أكثر من الحقيقة التونسية وهموم القطاع الاقتصادي السياحي الذي ما ان صعد اسلاميو حزب النهضة السلطة حتى اضطرب وتبدى اضطرابه هذه السنة في غياب حجم ضيوف المهرجان الاوربيين الواجسين من ان تكون المدينة غدت شبحا بلحية لا شوارب لها.

أحد النزلين الذي يضم سبعين سريرا يشغل حوالي خمسين عنصرا أي انه يعيل خمسين اسرة لحوالي 300 فرد فيما لو حدث اضطرب في موسم الصيف او في غيره فأن هؤلاء يفقدون مصدر رزقهم في المدينة الاكثر اغترابا لشبابها في تونس، بمعنى لو تم اغلاق مقهاها ومسبحها وبارها في شهر رمضان كما طلب رجال النهضة بأمر غير مباشر او فيما لو تعرض لحادث من شبيحة النهضة الدينية: مجاميع حماية الثورة فان الفندق سيغلق أبوابه، أو لو تم مَنع استهلاك الكحول شعبيا فيه. فالنزل حقيقة يعيش ومطعمه ومقاهيه على هذه المواد المسبح والكحول الشبابيين، وليس على كأس الشاي الاخضر.

وعلى منوال هذين النزلين الصغيرين هناك مئات الفنادق التي تضم آلاف الاسرة التي يعمل بها عشرات آلاف العمال الذين يساهمون بقوة في نشاط الاقتصاد التونسي ودعم الدينار التونسي الذي لم يفقد بفضل المقاومة الشرسة غير قليل من قيمته.

على امتداد الساحل التونسي المتعرج والطويل تقوم عشرات المدن بمئات النزل التي اصبحت ذات شهرة عالمية في عالم السياحة والاستجمام.

تشغل السياحة في تونس اساطيل نقل جوي وبحري تنقل مئات آلاف السواح فضلا عن مئات آلاف المغتربين الذين نشّطوا حتى المنتجعات الداخلية التاريخية الاثرية والثقافية مثلما نشطوا سياحة طبية متطورة خاصة في مجال جراحة التجميم.

في الايام الاخيرة للمهرجان تفاجأنا بنزول وزير الشؤون الدينية “نورالدين الخادمي” بين ظهرانينا في النزل مع اسرته، في جناح بعيد عن العيون والمسبح والبار، ذهلنا حين علمنا ان سماحته قدم المدينة الصغيرة كقبضة يد، حوّل بمجيئه ملعباً رياضيا لمدرسة الى مجسم للكعبة يرشد المرشحين للحج مع الاطفال كيفية اداء شعائر الحج ومناسكه من حول الحجر الاسود وكسوته لدرجة غدا حضوره مجالا للتندر والفكاهة بين السكان الذين شجعهم الحدث المصري على حسّ التمرد ومواجهة هؤلاء المتشَهوَنين للسلطة يبغون أَسر حياته والقبض على مدنه وشوارعه وتغيير نمط حياته على مدى سنين عمره. لدرجة غدا البار والفندق والمسبح في اليوم التالي لوصوله، أشبه ما يكون بيوم حشر لكثرة مرتادي المسبح القادمين بثياب البحر من الشارع واصوات الموسيقى الراقصة الصاخبة حتى الرابعة فجراً لم ار فيه غير رسالة للسيد الوزير في سياحته الدينية.

تعيش تونس على ايقاع الحدث المصري وحديث المقاهي يُوحي كأنك في القاهرة: سيطر الجيش اعتقل مرسي حركة التمرد وساحة التحرير يستعيدون بها ايام ربيع ثورتهم التي على شَيّ لحوم ابناءهم انتفض العرب في عصرهم الحديث وكأنهم يخرجون من الكهوف ، ويحضر معهم دائما الحديث عن بورقيبة واصلاحاته ودولته العصرية قيمه شجاعته تعاضدية أحمد بن صالح التي تبناها، وفتياه بالإفطار الرمضاني للعاملين في الحقول وقانون الاحوال الشخصية الذي حرّر المرأة من سطوة الشرع ودجل المتاجرين بتعدد الزوجات وما الى ذلك من بقايا عبودية مجتمع ذكوري، واشاعة التعليم لتنوير اقاصي البلاد.

تثبت احداث مصر والحراك التونسي (حركة التمرد التونسية، وحركة نداء تونس، والاتحاد من اجل تونس) والجزع الذي انتاب النهضة وحلفاءها، خاصة بعد المنع الذي تكرر في وجه راشد الغنوشي من دخول الجزائر ومصر وكأن تونس بأيام بعد استقالة قائد اركان الجيش التونسي الجنرال رشيد عمار في 25 حزيران 2013 من منصبه، تعيش بدايات ادارة ظهر شعبية لما هو قائم، ليطرح اكثر من سؤال استفهامي وسط التنافس الشديد والحضور الكبير لشخصية الباجي قائد السبسي كزعيم وطني ليبيرالي يجمع بين البورقيبية وبداية الثورة. يقود بنداء تونس اتحادا يضم الوسط واليسار العقلاني، ليستعيد تونس وثورتها من اولئك المستعجلين لابتلاع البلد.

لم يعد “الاسلام هو الحل” بل غدا الاسلام السياسي مع النهضة وحركات الاخوان المسلمين في مصر مرسي وسلوك “الشقفة” واخوته في المعارضة السورية واردوغان تركيا، عقبة في وجه الشعوب والبلدان حيث يحلون.
لقد غدوا “العقبة” وكعب اخيل شعوبنا في التحرر والنمو والحرية والكرامة لقد تحول شرطي الدكتاتورية الفرد الى منظومة مطاوعين وقحين وفجرة يستحلّون حياة الناس الخاصة بداعي اقامة حدود الشرع، شرع الاستئثار بدل الايثار، (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)، شرع بعقلية القرون الوسطى بغير علم ومعرفة من منظور الجاهل بقيم التطور والحياة، يعيشون ويتصرفون أسرى الجشع والنهم للسطو والسيطرة بإعادة استعمال مغاليق الاستعباد، التي كسرها شباب عصري متعلم متخم بجوع انساني للكرامة والحرية
وما مأزق الاردوغاني ( كرديا وقزلباشيا علويا وعلمانيا) في ساحة التقسيم سوى تمرّدَاً سبق احداث مصر وألهمها، وربما كان السقوط السهل لقطر ورجلها الفاسد ” مصطفى الصباغ” في مهزلة الصراع على الائتلاف السوري مع السعودية، الا صدىً ونتيجة لما حدث في مصر واستانبول وسنرى نتائجه المستقبلية الحائلة دون حلم الاخوان السوريين الى أي حلم سلطوي مستقبلي ان أحسنت النخب الشبابية السورية الاتعاظ من مهزلة وصول “محمد مرسي” الى السلطة ورقاب العباد، لم تعد الشعوب تقبل تسرقها قوى السطو والتخلف والجشع مستقبلها وهي تتمرد على أعتى الدكتاتوريات الحزبية والشموليات الطائفية والاسرية.

اثبت الاخوان المسلمون مرة اخرى في ثلاث دول (متوسطية يقوم اقتصادها بشكل كبير على السياحة)، انهم وسيد قطب، وابو الأعلى المودودي والقرضاوي واردوغان، وفكرهم الشمولي، انهم بفجور الاستعلاء بالخطاب الديني وشعار “الاسلام هو الحل” انهم أشد فتكاً بالحرية وقوت الناس وكرامتهم وتوقهم الى المعالي ودخول العصر، اذ سرعان ما يُكَشّرون عن انياب ضبعية شهوانية لالتهام الصحن مع ما فيه ويتناسون نسبية معايير صناديق الانتخاب وحقيقة النص الدستوري النبوي الكريم (دستور مكة بين المسلمين واليهود)، لتوثيق الحياة المشتركة بالتوافق بين المكونات ارثا لرسولهم والمسلمين، وما ارجوزة التظلم التي انشدوها والقرآن الذي رفعوه سوى حيلة وقتية، وكأن الدين ملكهم والنبي أسير رغباتهم، وكأن الاسلام فتوى لحظية ووسيلة لمآرب لا عقلانية فيها ولا روح شراكة وطنية.

اعتاد الاخوان المسلمون على الغاء حدود الاوطان لتغليب ظاهر الفكرة على جوهر الدين وسرعان ما يتناسون الشعب بحكم التوريث الالهي بعيد كل البعد عن روح الاسلام ، لقد تحولت الاخوانية بمرور الزمن الى حالة طبقية مصلحية تقودها شهوة براغماتية للسيطرة دون مصلحة الجماعة المسلمة وشركاءها في الوطن.
يخرجون من العصر في مسألة الحقوق ويتنعمون بوسائله في شهوة السطو والاستفراد.

اتت احداث مصر لتثبت كم هي بائسة تلك الديمقراطية الشكلية التي تأتي بأصحاب عقيدة غوغائية شمولية يتنكرون لها بين ليلة وضحاها الى رقاب الناس.
أحداث مصر: يقظة مارد “المؤسسة العسكرية الوطنية” بإرادة الشعب، قلب الطاولة على مستقبل الاخوان المسلمين في مصر ويكاد يقلبها في تونس التي بدأت بالتحرك شعبيا والرعب نهضويا وهي صارت تؤرق نوم اردوغان فاحش الديماغوجية بين مصالح اسرائيل ومصالح المؤسسة الدينية الاقتصادية لاتباعه، في سلسلة تنازلات ما تنفك تودي به وبحزبه الى حتفهم المأمول.

سقطت العقيدة الاخوانية مرّة والى الأبد بأسرع ما صعدت، بقي ان تنتج المعارضة السورية الوطنية الداخلية، ممثلا تشاركيا لكل مكونات المجتمع السوري ذي المصلحة المستقبلية في الثورة. بالانقلاب الصريح ليس على الاخوان وحسب بل لمواجهة قوى التطرف والتكفير التي زرعتها الاعيب السلطة الامنية بدعم دولي بين صفوف شعبنا وفي مقتل ثورتنا ولن يكون هذا بغير برنامج سياسي ورؤية سياسية واضحة لا لبس فيها ولا تشاطر، بالقول الفصل: أية دولة نريد؟

أي سلطة بديلة ننشد؟

اية شراكة وطنية نعمل عليها؟ من اجل سوريا وطنية عصرية لكل ابناءها بالتساوي المتوازن القاطع مع عقلية الاستقواء او الاقصاء او الاستفراد بالتغاضي عن المستقبل في اكذوبة اليومي.