ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

رامي الريس (الجمهورية)

دارت دورة الاستنكارات وبيانات الشجب والتنديد بتفجير بئر العبد دورتها شبه الكاملة، وهي مهمّة في دلالاتها، خصوصاً لناحية إجماعها ورفضها التام للإرهاب واستهدافاته.

لكنّ الأوان آن للقوى السياسيّة التي عبّرت بُعيد وقوع الانفجار عن استهجانها لما حصل، أن تبحث في كيفيّة ترجمة ما سبق لها أن أعلنته على أرض الواقع السياسي وفي إطار البحث عن مخارج تتصل بالتأزم الشديد الذي بات يحاصر لبنان على مختلف المستويات.

وغنيٌ عن القول إنّ مستوى الانقسام السياسي الحاد والمتجذّر الذي بات يَطبع الحياة السياسية اللبنانيّة، فضلاً عن القطيعة السائدة بين مختلف القوى، إضافة إلى إصرار فرقاء لبنانيين، من فريقَي النزاع التقليدي، على التورط في الأزمة السوريّة ميدانيّاً وبما يتخطى التعبير عن الرأي السياسي دعماً لهذا الطرف في سوريا (مع لحظ إختلاف أحجام التورط وأهدافه الداخليّة ومنطلقاته المذهبيّة وأبعاده الاستراتيجيّة والإقليميّة)؛ كلّ هذه المناخات المتشنجة ليست سوى أرضاً خصبة للقيام بأعمال مشابهة لما حصل في الضاحية الجنوبيّة.

وغنيٌ عن القول أيضاً إنّ المشهد الذي حصل في منطقة بئر العبد مرشحٌ للتكرار في أيّ منطقة لبنانيّة أخرى، لا سيّما إذا كانت من مناطق التوتر الشديد ومتداخلة مع مناطق أخرى تتميّز بانتماءات واتجاهات مختلفة، لا بل مناقضة لها، وذلك يجعل الحدث الأمني مقدمة للوقوع في تطورات غير مسبوقة وخارجة عن السيطرة تؤدي إلى تفجير الاحتقان المتمادي على أكثر من صعيد.

إن إمكان تلافي تكرار ما حدث في الضاحية الجنوبيّة لن تكون متاحة أو ممكنة، ما لم تشكل صدمة قويّة لكل أطراف المجتمع السياسي اللبناني للإقلاع الفوري عن الخطاب التصعيدي والتخويني، والذهاب نحو التدارك السريع والهبوط التدريجي في إتجاه الفوضى الدستوريّة التي تتخذ من الفراغ عنواناً رئيسياً في الحقبة المقبلة مع إقتراب مواعيد التقاعد لقائد الجيش اللبناني ورئيس الاركان، ما لم تتولّد تسوية سياسيّة ما تُنقذ الجلسة الاشتراعيّة المرتقَبة من ترف ورفاهيّة النقاشات الدستوريّة العقيمة حيال صلاحيات الرئاستين الثانية والثالثة في لحظة إلتهاب وإشتعال إقليميّ ومحليّ، تُنذر بمخاطر كبرى وإستثنائيّة على أكثر من صعيد.

والخطوة الموازية التي لا تقلّ أهميّة تتصل بسبل إعادة النقاش الجدّي حول تأليف الحكومة الجديدة التي لا تزال رهينة المراوحة بفعل الشروط والشروط المقابلة من فريقَي الثامن والرابع عشر من آذار، وكلها شروط تعجيزية لن تؤدي إلى إستيلاد صيغة تحظى بموافقة كل الفرقاء ما لم تتنازل القوى السياسيّة بعض الشيء وتتيح الخروج من هذا المأزق.

إنّ التطورات الأمنيّة المتلاحقة، على سلبيّتها وخطورتها، يُفترض بها أن تشكّل حافزاً حقيقيّاً لبروز رجال الدولة في هذه الحقبة الحساسّة والمفصليّة، والذهاب نحو تسويات سياسيّة كفيلة بتقطيع المرحلة الراهنة يكون عنوانها الأساسي تنظيم الخلافات السياسيّة ما لم يكن ممكناً معالجتها جذرياً.

إنّ مشاهد تقاطر السياسيين إلى مواقع التفجيرات للتصريح أمام عدسات الكاميرات وبيانات الشجب والاستنكار لم تعد تفي بالغرض، بل المطلوب خطوات أكثر جدية وحزماً وعقلانيّة! فهل مَن سيقوم بها؟

—————————————————

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Twitter: @RamiRayess

Facebook: Rami Rayess

Rami Rayess II

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

الجيش: ماذا بعد صيدا؟

خامنئي- روحاني- قوروش!

عندما ستدير أميركا ظهرها!

تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

الأرثوذكسي والشمبانيا!

سياسات التصفية والنتائج العكسية

التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!