خامنئي- روحاني- قوروش!

رامي الريس (الجمهورية)

كلماتٌ مختصرة أوردتها وكالة “أنباء فارس” الايرانيّة، حول اللقاء الذي عُقد بين المرشد الأعلى للثورة الاسلاميّة في إيران الامام علي خامنئي والرئيس الايراني المنتخب الشيخ حسن روحاني، كفيلة بتبديد كثير من المظاهر الاحتفاليّة التي رافقت الانتخابات الرئاسيّة الايرانيّة، وأوحت بأن عهداً جديداً قد فُتح بفوز “الاصلاحي” روحاني.

فقد جاء في البيان الرسمي: “(..) وتمنّى قائد الثورة الاسلاميّة في هذا اللقاء النجاح والموفقيّة للرئيس المنتخب وقدّم له التوجيهات اللازمة”. لذا، ومن أول الطريق، كل إحتفاليّة سياسيّة بهذا الانتخاب وإعتباره مدخلاً لتحوّل إستراتيجي في إيران، وتالياً في مواقع نفوذها الاقليميّة هو توقع خاطىء. فالمرشد الأعلى يمسك بزمام السلطة بكلّ مفاصلها، وهو الولي الفقيه الذي لا تُردّ كلمته أو تُناقش أو تُخالف. هذا في العرف الديني والسياسي، طالما أنّ المرشد يتولى إدارة كلّ إمتدادات “الامبراطوريّة” الايرانيّة في الداخل والخارج.

في مطلق الحالات، لم يتأخر روحاني نفسه لتبديد ما تبقى من آفاق إيجابيّة ظنّ البعض أنها قد تُفتح بعد إنتخابه، خصوصا أنه قدّم نفسه على أنه معتدل ويمثّل التيار الاصلاحي الذي تعرّض لانتكاسات كبيرة في ولايتي الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي كرّس عزلة إيران الدوليّة وأدّت سياساته إلى مضاعفة العقوبات الاقتصاديّة، فضلاً عن تفاقم المشاكل المعيشيّة التي يعاني منها الشعب الايراني، إذ إنّ أرقاماً رسميّة أفادت أنّ نحو 14 مليوناً من أصل 70 مليون إيراني يعيشون تحت خطّ الفقر!

لقد أكد الرئيس الايراني الجديد ثبات سياسة بلاده في الولاية الرئاسيّة الجديدة على الموقف ذاته في ما يتعلق بالأزمة السوريّة الملتهبة، مؤكداً في وضوح ضرورة بقاء النظام الحالي، أقله حتى سنة 2014، ضارباً عرض الحائط بمطالب الشعب السوري بالتغيير والحرية. وهذا سيعني، بنحو أو بآخر، إستمرار التورط الايراني المباشر في القتال داخل الاراضي السوريّة، أو من خلال حزب الله من دون أيّ تغيير يُذكر.

وغالب الظن أن القيادة الايرانيّة التي تجيد لعبة التظهير الديموقراطي لانتخاباتها قد تقترح أساليب مماثلة للانتخابات الرئاسيّة السوريّة في السنة المقبلة، هذا إذا بقي من ناخبين سوريين أصلاً. وأكثر ما يُضحك في الانتخابات الرئاسيّة الايرانيّة أنها تقصي أياً من المرشحين الذين قد يشكل وصولهم خروجاً على السياسات العامة التي يرسمها المرشد الأعلى. وهذا الاقصاء يتمّ قبل إجراء العمليّة الانتخابيّة برمّتها، من خلال ما يُسمّى مجلس صيانة الدستور الذي تعود له صلاحيّة البت بـ “أهليّة” المرشحين للرئاسة.

وقد أقصى المجلس إياه المرشح أسفنديار رحيم مشائي القريب من أحمدي نجاد. ولكنّ الأبرز كان قراره بإقصاء المرشح هاشمي رفسنجاني الذي كان يحتلّ منصب قائد القوات المسلحة الإيرانية بالنيابة عن مؤسس النظام آية الله الخميني، ورئيس مجلس الشورى لدورتين، ورئيساً للجمهورية لدورتين، ورئيس مجلس خبراء القيادة لدورة ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام حالياً.

فكيف يمكن التشكيك بأهليّة مرشح كهذا، تولى كلّ هذه المناصب القيادية الرفيعة وكان ركناً من أركان الثورة؟ وكيف يمكن أن يكون مؤتمناً على “تشخيص مصلحة النظام” الذي يتولى رئاسة مجلسه ويلفظه النظام ويمنعه من الترشح؟ هذا المثل لا يهدف الى الدفاع عن رفسنجاني، ولكنه يساهم في فهمٍ أكبر لطريقة السيطرة المسبقة على الانتخابات من خلال حصر المنافسة بين مرشحين “يلعبون جميعاً في ملعبٍ واحد”!

في حزيران 2009، وقبل نحو عامين من إندلاع الثورات العربيّة، إنطلقت “الثورة الخضراء” في طهران وأصفهان ومشهد رفضاً لما شهدته الانتخابات الرئاسيّة الايرانيّة آنذاك من تزوير، وتمّ “تثبيت” إعادة إنتخاب أحمدي نجاد بـ 63 بالمئة من الأصوات، وُوضع زعيم المعارضة مير حسين موسوي والرمز المعارض الآخر مهدي كرّوبي رهن الاقامة الجبريّة حيث لا يزالان حتى اليوم.

وفي أوّل مؤتمر صحافي يعقده روحاني، وبعد أن صرخ أحد الشبان مذكراً إياه بموسوي، ما كان منه إلّا أنّ قطع مؤتمره الصحافي ومشى. فهل من المتوقع أن يستطيع الرئيس المنتخب إحداث تغييرات جوهريّة في السياسات العامة داخليّاً وخارجياً؟

صحيحٌ أنه تُسجَّل له دعوته الى ترطيب العلاقات مع المملكة العربيّة السعوديّة، وهي مبادرة مهمة لأنّ من شأنها تنفيس الاحتقان المذهبي المتنامي في كل أطراف المنطقة، ولكنه فرّغ جانباً من هذه الدعوة من مضمونها عندما أيّد بقاء النظام السوري حتى سنة 2014!

إذا كان المشروع الفارسي يريد إعادة إستنهاض مآثر “قوروش الكبير” الذي حكم من العام 550 حتى العام 529 قبل الميلاد، وأثنى عليه العهد القديم في إعادته اليهود إلى “بلادهم” وساعدهم على تجديد “الهيكل” بعد أن كان إستولى على آسيا الصغرى وبابل ومناطق شاسعة أخرى، فإن ذلك قد يُفسّر بعضاً من الأحداث الاقليميّة الراهنة… وربما المستقبليّة!

———————————————–

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونية

Twitter: @RamiRayess

Facebook: Rami Rayess II

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

الجيش: ماذا بعد صيدا؟

عندما ستدير أميركا ظهرها!

تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

الأرثوذكسي والشمبانيا!

سياسات التصفية والنتائج العكسية

التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!