على أميركا مساعدة المعتدلين في الشرق الأوسط

ديفيد إغناتيوس (الشرق الاوسط)

ما استراتيجية أميركا في الشرق الأوسط؟ هذا السؤال بات أكثر إلحاحا الآن، بعد تحرك إدارة الرئيس باراك أوباما في الآونة الأخيرة باتجاه تسليح المعارضة السورية. فالولايات المتحدة بحاجة إلى إطار عمل يربط سياستها في سوريا بما يجري في البحرين ومصر والعراق وتركيا وأماكن أخرى في المنطقة.

الحجة التي استندت إليها الإدارة الأميركية لتسليح تلك المجموعات، تكمن في زعمها أن النظام استخدم أسلحة كيميائية، غير أن الحروب الشرسة ضد أسلحة الدمار الشامل لها تاريخ سيئ في الشرق الأوسط، لا سيما على ضوء ما حدث في العراق. ينبغي أن يكون الهدف الأوسع نطاقا للرئيس أوباما هو دعم قوى الاعتدال، وتحديدا تلك القوى التي تلتزم التعددية وحرية التعبير وسيادة القانون. فقد كانت هذه هي المواضيع الأساسية التي طرحها أوباما في خطابه الشهير بالقاهرة في يونيو (حزيران) 2009، لكن متابعة هذه الأمور كانت محدودة للغاية.

سوف ترتكب الإدارة الأميركية خطأ إذا كانت تريد من إرسال مساعداتها إلى المجموعات المسلحة في سوريا تقويض نفوذ إيران، الداعم الرئيس للأسد. يجب على الولايات المتحدة معارضة المتطرفين الطائفيين، لا سيما أولئك التابعين لتنظيم القاعدة والجهاديين، باعتبارهم يهددون المنطقة بأسرها.

تشعر الإدارة الأميركية بثقة أكبر حيال مساعدة المجموعات المسلحة، لأن اللواء سليم إدريس يتبنى قيم الاعتدال والتعددية، لكن المسؤولين الأميركيين يجب أن يروا بوضوح أن إدريس ضعيف عسكريا والولايات المتحدة بحاجة لدعمه بشكل ملح لكي يكون قائدا حقيقيا، وليس مجرد غطاء أميركي.

من بين أصدقاء ثوار سوريا أسمع نداء يائسا على الأغلب للقيادة الأميركية، فيقول لؤي ساكا، الكندي ذو الأصول السورية المقرب من إدريس: «الناس يصبحون في كل يوم أكثر طائفية وأكثر غضبا ورغبة في القتل على سبيل الانتقام، ولا يتوقع بشكل أن يلتزموا باتفاقيات جنيف أو القواعد الأخرى. إن افتقار الولايات المتحدة إلى القيادة يدفع بالحرب إلى مستوى جديد لن تشكل فيها جهودنا أو جهودك أي معنى».

إدريس رجل جيد وقائد مقبول، وقد قال لي في لقاءات متعددة إنه يفضل الحوار مع العلويين والمسيحيين والأقليات السورية الأخرى، التي يرغب في أن يتعاون معها، وطمأنة روسيا على مستقبلها في سوريا. لكن كل هذه المقومات الرائعة ستكون بلا قيمة ما لم يفز في ساحة المعركة.

إن الحروب تولد التطرف، كما شهدت أميركا في حربها بالوكالة ضد السوفيات في أفغانستان منذ ثلاثة عقود. يجب على الولايات المتحدة أن توضح دعمها لإدريس، لأنه شخصية معتدلة. إذا ما انحرفت قواته، فإنهم يخاطرون بفقدان دعم الولايات المتحدة.

ينبغي أن يكون هناك التزام مشابه بالطريق المعتدل من أجل تجنب خسائر الصراع الشيعي الطائفي في البحرين. يجب أن يلتقي كبار المسؤولين الأميركيين بولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، الذي، على الرغم من الضغوط الطائفية الشديدة، لا يزال يدعو للحوار الوطني والمصالحة، في البلاد. لكن الامير سلمان بحاجة إلى دعم دبلوماسي أميركي للمساعدة على نجاح عملية الإصلاح، ويحتاج إلى دفع أميركا لآيات الله نحو نبذ العنف مقابل إصلاحات اقتصادية حقيقية من قبل الحكومة تجعل الحياة أفضل وأسرع في البلاد.

يجب أن تكون مصر أيضا جزءا من استراتيجية أميركا لدعم الاعتدال والمصالحة في المنطقة. الحقيقة المحزنة هي أن حكومة الإخوان المسلمين التي يقودها محمد مرسي تفشل في الحكم بطريقة فعالة وتعددية. وقد أظهر استطلاع لمؤسسة «زغبى للأبحاث» تراجعا حادا في تأييد مرسي. فقبل عام، اعتبر 57 في المائة من المصريين أن انتصاره أمر إيجابي، أو يجب أن يحترم. وتراجع هذا اليوم إلى 28 في المائة.

إن مصر تعاني حالة تعادل الإفلاس السياسي والاقتصادي، وتعيش على مساعدات من بعض الدول التي تدعم، جماعة الإخوان المسلمين. ينبغي على أميركا أن لا تربط المساعدات الاقتصادية لمصر وقرض صندوق النقد بفرض سياسات التقشف (الاستراتيجية التي تم تبنيها خطأ العام الماضي)، ولكن بالالتزام بالتعددية. وينبغي لصندوق النقد أن يشترط على مرسي الحصول على تأييد كل الأطراف في مصر للمساعدات، لأن هذا الأمر من شأنه أن يعزز الوحدة الوطنية التي تحتاجها مصر.

هذه الاستراتيجية التي تدعم الاعتدال وتقاوم الطائفية ينبغي أن تمتد إلى العراق، حيث أنفقت الولايات المتحدة كثيرا من المال والأنفس هناك. لا تزال واشنطن تحظى بنفوذ هناك لأنها توفر الأسلحة والتدريب العسكري. ينبغي على الرئيس الأميركي أن يتخذ موقفا دبلوماسيا أكثر قوة من أجل وحدة العراق (التي تعني مشاركة الطائفية السنية المعزولة) وضد العنف الذي سيعيد إشعال فتيل حرب طائفية.

والتحدي الأخير هو تركيا؛ فإذا ما اختار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان السلطوية الإسلامية، ينبغي أن يخسر دعم أوباما.

الدعوة إلى الاعتدال في الشرق الأوسط قد تكون تفكيرا ساذجا. يجب أن يكون تسليح الثوار السوريين جزءا من الجهد الشاق والعملي لمساندة القوى المعتدلة، ومقاومة العنف الطائفي وتشجيع الحكومات التي تحترم التعددية وسيادة القانون في جميع أنحاء المنطقة.