عندما ستدير أميركا ظهرها!

رامي الريس (الجمهورية)

أغلب الظن أن قلائل في المنطقة العربيّة توقفوا عند النقاشات المعمّقة التي شهدتها الاوساط السياسيّة والاعلاميّة الأميركيّة في ملف العلاقات الأميركيّة- الصينيّة.

فمعظم العرب لا يأبهون لتطوّر الأحداث في الغرب، وللسياسات التي تُرسم في الدوائر الحكوميّة والديبلوماسيّة، وفي مراكز صنع القرار، على رغم تأثيراتها الكبيرة في المستوى الدولي عموماً، والمستوى العربي خصوصاً.

جانبٌ من هذه النقاشات تَناول ما سُمّي التحوّل الاستراتيجي الأميركي نحو الشرق الأقصى والمحيط الهادئ وآسيا، في مقاربةٍ جيو سياسيّةٍ جديدةٍ ترتكز إلى سبل البحث في تحويل العلاقات الأميركيّة – الصينيّة من التسابق السلبي إلى التكامل الإيجابي.

فالولايات المتحدة الأميركيّة والصين، تجمعهما قاعدة علاقات تجاريّة كبيرة وصلت في العام 2012 إلى نحو 484.7 مليار دولار، وهي في حال نموٍّ مضطرد على رغم تسجيل الإدارة الأميركيّة تحفظاتها على “القرصنة الإلكترونيّة” التي تمارسها الصين على الشركات الأميركيّة!

من المرجح أن هذا التحوّل الأميركي، إذا صحت التوقعات حيال حصوله المرتقب والتدريجي، سيَزيد الابتعاد الأميركي عن منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، وهو ما سيدفع إسرائيل لمواصلة سياساتها العدوانيّة في الأراضي المحتلة وتهويد مدينة القدس وتشويه هويّتها وتاريخها وموقعها التاريخي، فضلاً عن ضربها عرض الحائط ما سبق أن سُمّي عملية السلام، التي لم تُعرها أيّ إهتمام جدي منذ مؤتمر مدريد (1991)، والمبادرة العربيّة للسلام (2002)، من دون أن يعني ذلك أن الحضور الأميركي إستطاع لجم إسرائيل يوماً عن تنفيذ مخطّطاتها.

لقد تزايدت الضغوط السياسيّة على الإدارة الأميركيّة في الآونة الأخيرة للحدّ من الإنفاق المالي على الحروب، وللتخفيف من الوجود العسكري في منطقة الشرق الأوسط. وجاءت هذه الضغوط لتذكير الرئيس الأميركي باراك أوباما بفشل معظم سياساته ومشاريعه.

فهو سبق له أن أعلن إغلاق معتقل غوانتانامو من دون أن يفعل، وتعهد بإحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين ولم ينجح، ورفع شعار التصالح مع العالم الاسلامي، فإذ بالكراهية المتبادلة بين المسلمين والولايات المتحدة تصل إلى مستويات غير مسبوقة.

الهدف من كلّ هذه القراءة ليس إعادة البحث في أسس العلاقات الأميركيّة- الصينيّة التي نفض الغبار عنها الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون في زيارته الشهيرة إلى الصين العام 1972 أو البحث في مساراتها الثنائيّة المستقبليّة؛ إنما الهدف الحقيقي هو محاولة البحث هل هناك نيّة حقيقيّة لدى الادارة الأميركيّة لتنفيذ سياسة التحوّل الاستراتيجي نحو المحيط الهادئ والخروج من وحول منطقة الشرق الأوسط التي تتجه تدريجيّاً نحو الانفجار المذهبي الشامل، مع ما سيتركه ذلك من تداعيات على مستقبل هذه المنطقة.

لا شك في أن مصاعب كبرى تحول دون تحقيق هذا التحوّل الكبير، ليس فقط بسبب الإنغماس الأميركي في المنطقة العربيّة سواء من خلال
التحالف التاريخي مع بعض الأنظمة، أو عبر المصالح النفطيّة الهائلة التي تربطها بها، أو الوجود العسكري في هذا البلد أو ذاك؛ إنما أيضاً بسبب إنعكاس ذلك على علاقاتها السياسيّة والاقتصاديّة مع أوروبا المرتكزة إلى معاهدة TTIP، لا سيما أن حجم الاستثمارات الاميركيّة في دول الاتحاد الاوروبي تفوق بثلاثة أضعاف إستثماراتها في قارة آسيا مجتمعة، في حين تصل قيمة الاستثمارات الأوروبيّة في الولايات المتحدة ثمانية أضعاف توظيفاتها في الهند والصين.

المقصود أن الدخول في “التحوّل الاستراتيجي” سيكون مسألة تكتنفها الكثير من المصاعب والعقبات. لذلك، من المرجح أن تسعى الولايات المتحدة إلى التوفيق بين إهتماماتها المتصاعدة في الشرق الأقصى من دون أن تتراجع عن علاقاتها بالشرق الأوسط وأوروبا. إلّا أنّ المشكلة الحقيقيّة هي أنّ خلق هذا التوازن يستغرق وقتاً ويتطلّب سياساتٍ واضحة ودقيقة.

في حال الأزمة السوريّة، المنتظر من قطب دولي بحجم الولايات المتحدة الأميركيّة يتولى قيادة العالم بصورة شبه آحاديّة، كبير وكبير جداً، لأنها من نوع الأزمات المعقدة والمتفاقمة التي لا تتحمّل ترف النقاشات الفكريّة الهادئة، في وقتٍ يُسجَّل في دفتر الوفيات السوري ما يزيد عن مئة وخمسين شهيداً كل يوم.

لقد تقاعس الغرب بما فيه الكفاية للدفاع عن الشعب السوري، ووقف متفرجاً منذ أكثر من عامين منتظراً، عن قصد أو غير قصد، وصول الأزمة إلى تعقيدات هائلة ومستعصية على الحلّ، فضلاً عن أنها دفعت منطقة الشرق الأوسط برمّتها إلى فوهة البركان.

فمتى سينفجر؟

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

الجيش: ماذا بعد صيدا؟

خامنئي- روحاني- قوروش!

تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

الأرثوذكسي والشمبانيا!

سياسات التصفية والنتائج العكسية

التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!