مرة أخرى وليد جنبلاط الانسانيّ: يغرّد في الاعالي وحيداً

بشار العيسى

رجل نسيج وحده، سياسي لا يشبه السياسيين. سياسي بقلب وضمير وحسّ انساني .
مثقف: لا يشبه المثقفين في شيء، مثقف رمز، يمارس الثقافة بمسؤولية السياسي المؤتَمَن، ويمارس السياسة بضمير وحساسية المثقف غير المُرتَهَن المثقف الذي لا يقايض جهده العقلي والذهني كما يقايض البروليتاري جهد عضله. مثقف يزنّر الكلمة بلهب الشعر وهو يجمر.
وليد جنبلاط لم يتأخر يوما عن حمل مسؤولية لا يراها الآخرون بالشفافية والمستقبلية التي يستشرفها هو، يحسّها بغريزة الشاعر الملهَم، يحيط بها بعقل السياسي المجرّب، يرزها بسلوك وقيم المفكر الشجاع الكريم فلا فكر بغير الشجاعة وبغير الكرم والكرم هنا ليس دفع المال بل الايثار، الايثار ليس من باب الشفقة المسيحية ( العطف من اجل المغفرة) بل الايثار من حيث هو “ثيمة” انسانية، بغيرها نفقد جزءا من انسانيتنا.
وليد جنبلاط في هذا “النصّ” الذي اورد بعضاً من مقتطفاته، ارتقى بالمسؤولية السياسية الى مرتبة الشهادة في تجلّيها الأخلاقي، لا ليحمل صليبا الى الجلجلة، ولا ليرتقي خطى سيزيف الى القمة، لا ليحمل عصا موسى غاضبا يستنجد الرب، لا ليردد قولة الرسول هلا شققتم قلوبهم؟
كان لوليد جنبلاط أن يتوارى مثل كثيرين غيره من السياسيين والمثقفين خلف اصبعه ، يلثغ كلمة مستهلكة، يطهّر ضميره اللفظي بخلائط كيماوية جاهزة، او بحركة استعراضية في الدائرة ليخدع ويخادع.
لكنه أسير روحه القلقة: ثقافته الانسانية، ضميره اليقظ لآلام الآخرين، لحسه المشبع بالقرف من ركام السياسيين والعقائد البليدة يسامح ولا يغفر، يُراضي ولا يتنازل، يصمت ويقولها صراحة انظروا صمتي لتروا حقيقة نطقي! كم نحتاج من وليد جنبلاط آخرين؟ لا احد فبعد سنتين لو كان هناك احد لنطق من موقعه في المسؤولية وهو يخاطر اذا يخاطر بمصير ومصالح جماعة هو راعيها ومع ذلك فالإيثار هنا ايضا، يتقدم من الجماعة الخاصة الى الجماعة القوم الامة البلاد الانسانية.
ها هو يعيد علينا وصية كمال جنبلاط ، في اعادة الاخلاق الى السياسة، “وأنه متى كان لديك مثل أعلى وكان هذا المثل الاعلى يتعرض للتهديد، أي اذا كان عليك ان تختار بين الخضوع والعنف، فإنه ينبغي لك اختيار العنف”.

مقتطفات من مقال نهاية الانسانية:
“…..هذه ليست مثل الإعدامات الوحشية الفظيعة التي ارتكبها النازيون بحق “الكلاب الحمر” العمال الروس في كولخوز (المزارع الجماعية) أوكراني التي وصف فظائعها (الصحافي الإيطالي الشهير موريزيو) “مالابارت” في روايته “كابوت”. كلا. الأمر أكثر بشاعة. أكثر وحشية. أكثر بربرية. ما يجري في سوريا منذ أكثر من عامين، لا يوجد له مثيل في الأدب الحديث.
ما هذا الزيف؟ ما هذا النفاق في استخدام مثل هذا العذر؟ في وقت تُغرق فيه موسكو وطهران سوريا بالأسلحة من جميع الأنواع لصالح النظام، وحين يتدفّق الخبراء والمقاتلون من لبنان، العراق وإيران لتقديم المساعدة للأسد في المجزرة اليومية الفظيعة التي يرتكبها ضد الشعب السوري…..
. لقد قرر الغرب، في القرن العشرين، أن يدع طاغية يحاصر مدنه بضربات الصواريخ … دباباته تدمّر كل شيء، القرى والمدن؛ لقد دمّر او نهب التراث السوري الثقافي الاستثنائي؛ أصبح الملايين من السوريين اليوم من دون مأوى، مهجرين في الداخل أو إلى الدول المجاورة ..
بعد أكثر من عامين على بداية الثورة، تستمر واشنطن في التألق من خلال غياب تعاطفها. ….، تفضّل العودة إلى خطابها الأبدي حول “القاعدة”. فلنتحدث عن “القاعدة”: ما هي حقيقة؟ …… ألم تستخدمها الولايات المتحدة نفسها ضد السوفيات في أفغانستان؟ أليس بشار الأسد بنفسه خلف هذه المنظمة الشهيرة المعروفة باسم “جبهة النصرة” …؟ ألم تتشكّل هذه المجموعة تحت مظلّة النظام السوري لمحاربة الأميركيين في العراق؟ ألم يلجأ بعض قادة الطالبان إلى إيران في بعض الأوقات؟ “النصرة” و”القاعدة”… العديد من الذرائع التي استخدمت لعدم مساعدة الشعب السوري. ليست سوى أكاذيب ومتاجرات من قبل القوى العظمى على أنقاض سوريا وعلى حساب الجثث المشوهة للناشطين السوريين. جميعهم لاعبون ساخرون وبلا رحمة. كل ذلك مقرف. هذه الكراهية من العالم للشعب السوري مقززة………
.
لكن قبل كل شيء، فإن الأزمة السورية هي أخلاقية. فباسم القيم المسماة “دولية”، …تحرّك العالم من أجل بوسنة كوسوفو، صاح خوفاً على المسيحيين في تيمور الشرقية. منذ فترة قصيرة، أنقذ بنغازي ومعها الثورة الليبية من الطاغية.
في سوريا، تغتصب النساء والأطفال ويذبحون يومياً، الصبية يُسحقون في آلالات تصنيع السكّر، الشبان يُعذَّبون ثم يشرّحون لكي تنتهي أعضاؤهم في السوق السوداء العالمية … لكن ذلك لا يبدو أنه يثير أحداً.”
البقية…………..

بشار العيسى