هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

رامي الريس (الجمهورية)

صحيحٌ أن النظام الديموقراطي اللبناني، على هشاشته، يحتملُ الرأي والرأي المعاكس في ما يخص القضايا الخلافيّة والمعقدة، مثل تطورات الأزمة السوريّة على سبيل المثال. ولكن ثمّة فارق كبير بين حريّة التعبير عن الرأي والإفادة من لعنة ضعف الدولة التي رافقت الكيان اللبناني منذ ولادته المتجددة، إنما العسيرة، عام 1943 للانغماس في القتال داخل سوريا وقوفاً مع هذا الطرف ضد ذاك.

إن التورّط اللبناني داخل سوريا هو ضربٌ من الجنون، بصرف النظر عن الجهة التي تقوم به وعن الأهداف أو المبررات التي تستند إليها. عندما وقعت الحرب الأهليّة اللبنانيّة بين عامي 1975 و1990، لم يحصل أن تناحرت أي من القوى في سوريا في ما بينها بل على العكس تماماً، إستفاد النظام السوري ليُعزّز نفوذه ودوره الإقليمي وعقد صفقات كبيرة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركيّة لتأمين دخوله إلى لبنان عام 1976، وعاد ليجدد هذا التفويض عام 1990 بعد احتلال العراق للكويت.

طبعاً، ليس المقصود، بأي شكل من الأشكال، الإيحاء بأن لبنان يستطيع القيام بدور مماثل، فهناك فوارق عديدة بين لبنان وسوريا منها القوة وطبيعة النظام وحجم الانقسام الداخلي. ولكن المقصود أقله السعي إلى توفير مخاطر نقل الصراع السوري- السوري إلى داخل لبنان كما يحصل في مدينة طرابلس.

ولعلَّ السؤال الأكثر إلحاحاً في هذه اللحظات الحرجة التي يمّر بها لبنان يتصل بمدى القدرة على تحصين الساحة الداخليّة في مواجهة إسرائيل من خلال سلوك طريق التورط في الأحداث السوريّة؟ بمعنى آخر، هل يساهم ضرب الاستقرار في لبنان في تحصينه ضد إسرائيل؟ وهل الانقضاض على السلم الأهلي يُحقّق تلك الغاية؟ وأبعد من ذلك، هل من شأن إشعال الفتنة المذهبية والطائفية تقوية مناعة لبنان في مواجهة الاعتداءات الإسرائيليّة اليومية والانتهاكات البريّة والبحريّة والجويّة؟

لقد تعرّضت الجهود الكبرى التي بذلها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من أجل معاودة الحوار الوطني لانتكاسات متكرّرة بفعل استيلاد القوى السياسيّة من فريقي النزاع في لبنان “8 و14 آذار” الشروط والشروط المضادة قبل معاودة الحوار حول الاستراتيجيّة الدفاعيّة وسبل الإفادة من سلاح المقاومة دفاعياً ولأهداف لبنانيّة فقط.

إلا أنّ مشهد القوى السياسيّة اللبنانيّة التي مارَست ترف النقاش الفكري والسياسي والانتخابي في المجلس النيابي في محاولةٍ يائسة للتوصل إلى تسوية إنتخابيّة تنقذ هذا الاستحقاق الذي تحوم حول مواعيده الكثير من علامات الاستفهام، جعَل اللبنانيين يتناسون أنه منذ أشهر قليلة كانت القطيعة السياسيّة هي سيّدة الموقف وكان رفض المشاركة في الحوار هو العنوان الأساسي لكل التصريحات والمواقف الإعلاميّة.

إن الحاجة باتت ملحّة للإقلاع عن بعض السلوكيّات السياسيّة التي طبَعت الحياة الوطنيّة منذ أعوام وأصبحت تدفع الكثير من اللبنانيين للاشمئزاز بفعل فظاظة بعض السياسات وخشونتها وعدم ملاءمتها مع الواقع اللبناني الهش والمضطرب بشكل مستمر. وهذا يتطلب بروز رجال الدولة في لحظةٍ تصبح فيها الحسابات الفئوية والضيقة والخاصة تقع في مرتبة ثانوية وتتقدم المصلحة الوطنية العليا فوق الاعتبارات الأخرى.

لقد بيّنت التجارب التاريخيّة، بما لا يقبل الشك، بأن المصالح الدوليّة الكبرى لا تُقاس وفق معايير العمل الخيري، بل وفق حسابات مدروسة ومنتظمة في أطر واضحة ومحددة وأهداف مصاغة بدقّة. فها هي إيران، على سبيل المثال، تدعم النظام السوري الذي يروّج نظرية محاربة الإرهاب الدولي ويقارع المؤامرة الكونيّة ضده، وتتفاوض في الوقت ذاته مع المجموعة الدوليّة على برنامجها النووي.

كما أن الولايات المتحدة الأميركيّة تتغاضى عن الحقوق المشروعة للشعب السوري لأنها غير بعيدة عن نظرية استنزاف سوريا بما يصب في مصلحة حليفتها الإقليمية والاستراتيجية إسرائيل التي ستكون المستفيد الأول من إندلاع الفتنة المذهبية وتوسع شرارتها نحو لبنان والعراق ودول أخرى في المنطقة العربيّة، إذ إنّ ذلك يحقق مشروعها الأساسي والتاريخي.

لذلك، هل من المفيد تقديم خدمة مجانيّة لإسرائيل من خلال إشعال لبنان؟ وهل يتماشى هذا الاتجاه مع من يقولون بالممانعة ويريدون المساهمة في تحرير الجولان انطلاقاً من لبنان؟ إنها أسئلة محقة ومشروعة!

——————————————————————–

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Facebook: Rami Rayess II

Twitter: @RamiRayess

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

الجيش: ماذا بعد صيدا؟

خامنئي- روحاني- قوروش!

عندما ستدير أميركا ظهرها!

تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

الأرثوذكسي والشمبانيا!

سياسات التصفية والنتائج العكسية

التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!