Advertise here

كمال جنبلاط... وتحويل التيار الحي الى فكر وإشراق وجمال

16 آذار 2024 13:05:13 - آخر تحديث: 19 آذار 2024 16:44:25

في هذه الذكرى لدينا الكثير لنقوله ونسترسل به في الحديث عن مآثر المعلم كمال جنبلاط، والاستفادة منها في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد ومحيطها من أزمات ومشاكل وأحداث لا تحصى ولا تعدّ.

فقبل الغوص في مشاكل وأزمات البلد يجب أن نستذكر البعض القليل من أفكار وفلسفة وتجليات المعلم كمال جنبلاط. فالمنطلق الأول لأفكاره وفلسفته هو الإنسانية، وجودية الإنسان، ووجودية الحقيقة. وفي معرض الكشف الأخير عن حقيقة الوجود هو الذي يتوجّه إليه العلم والعرفان الروحاني، والعمل البشري، والمسلك الإنساني.

 وعلى ضوء هذا الإدراك بتحويل التيار الحي الزاخر بالإمكانيات إلى فكر، وشعور، وإشراق، وقيَم، وحق، ومحبة، وجمال، وهي قيَم الإنسان والمجتمع.

اخترتُ هذه الفكرة وقرّرتُ أن أنطلق منها لأنّنا اليوم بعيدون كل البُعد عن هذه المفاهيم في داخل مجتمعنا، وفي المجتمعات المحيطة بنا، إذ أخذت التيارات العصبية والموتورة، والمفاهيم الوحشية هي المسيطرة في بعض المجتمعات وتحت ستار الأديان. وبدأ الحصد على كافة الأصعدة في الدول المجاورة، وطال بعض المذاهب والمجموعات الدينية الموجودة في مجتمعنا العربي أولاً، والبعض الآخر، البعيد والقريب، وأصبح التكفير سيّد الموقف في تقييم المذاهب والمجموعات الأقلوية وغيرها، حتى ضمن المذاهب نفسها، وبمعنى آخر قيمة الإنسان هبطت وابتعدت عن القيَم ذاتها التي حدّدها وفسّرها المعلم كمال جنبلاط.

هذا غيضٌ من فيض عما يحصل في مجتمعاتنا القريبة والبعيدة، وفي المقلب الآخر على الصعيد السياسي اللبناني، فإنّنا اليوم نعيش أكبر أزمة سياسية، ألا وهي سياسة الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، وحكومة عرجاء تجتمع ساعة يسود الوفاق أو التوافق، على بعض المسائل ولا تلتئم عندما يسود الخلاف. بمعنى آخر حكومة قليلة الإنتاج على الصعيد الوطني والاجتماعي والاقتصادي إلى حدٍ في بعض الأحيان يؤدي ذلك إلى الشلل.

 المطلوب تحرّك نيابي مسوؤل وتحرك بالمستوى المطلوب على صعيد الهيئات الشعبية التي يجب أن تضع أمام نصب أعينها مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار طائفي ومذهبي وحزبي وغيره من الاعتبارات للخروج من هذه الأزمة المصيبة. 

أمّا بعد اطّلاعي على بعض ما كتب المعلم كمال جنبلاط، فإنه قد تطرّق إلى مواضيع عدة يجري العمل على معالجة البعض منها، والبعض الآخر هي مسائل شائكة ومعقّدة نعاني منها في مجتمعاتنا المتقدمة اليوم، وعلى سبيل المثال مشاكل الغذاء والمأكل، وخطر التلوّث الفكري الشامل بسبب انتشار أدوات التكنولوجيا المتطورة في كافة الأصعدة، وحرية النشر دون وازعٍ أو رادع، وحرية دعاية الاقتصاد دون أي اعتبار إنساني أو معنوي، وتلوّث مياه الأنهر والسواقي بالمواد الكيماوية، وتلوّث الهواء الذي يحمل معه الغبار والسموم، ومشكلة النفايات الصناعية وغيرها، وتنقية جو المعمل والمتجر والمحترف، وإزالة الصخب والضجيج والجلبة من المدينة، وأهمية ارتباط الإنسان بالأرض، إذ أنّ كثيراً من المصاعب والمشاكل القائمة هنا وفي العالم ناتج عن تجربة قاسية في هذا الحقل، أي عن إهمال علاقة الإنسان بالأرض وأهمية هذه العلاقة.

ويستطرد المعلّم ويقول، "هل ظلَّ هذا الغذاء الذي نقدّمه لأنفسنا ولأولادنا نقياً فعلاً وخالياً من الغش، ومن المواد التي اصطنعناها، وهي ليست موجودة في سجل الطبيعة أبداً". كما تحدّث عن الماء الذي نشربه، وأثر اللحوم والخضار والفواكه المعلبة منذ أشهر أو سنوات، وعن أثر الأدوية الزراعية الحديثة والأسمدة الصناعية على نتاجنا الزراعي، وغيرها من المواضيع التي تأثّر بها مجتمعنا حالياً، وكلّها تبصّر بها المعلم كمال جنبلاط وحذٌر منها.

هنا أردت ذكر كل ذلك للتأكيد على دور الحزب، رئيساً ووزراء ونواباً بالممارسة السياسية والإنمائية، مع الحفاظ على حقوق الناس المعيشية وغيرها من المواضيع، المهمة طبعاً، ضمن الإمكانيات المتاحة في هذا المجتمع العجائبي اللبناني.

وأخيراً، وفي خضمّ الأحداث التي تعاني منه البلاد نتيجة الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، وما آلت إليه من عقبات ومسائل معقّدة على صعيد الداخل والخارج، وذلك من خلال ربط هذا الاستحقاق بالتدخلات الخارجية، وبالتالي خفَّت حظوظ الحل الداخلي لما هناك من مواقف متشنجة ومعقدة ترتكز على الأنانية والتصلّب في المواقف من غير وجه حق من قِبل بعض القوى السياسية والاصطفافات الموجودة، مما يحرمنا من الوصول إلى حلٍ يرضي كافة القوى والشرائح في البلد، وللخروج من المأزق والنفق المظلم، والتقليل من الخسائر المتوقعة في حال الشغور المستديم هو السعي لتحقيق نظرية التوافق التي كان ينادي بها المعلّم كمال جنبلاط، وهو يقول،  "إني أنزع إلى التوافق مع الجميع والانسجام الشامل، كاللّحن الذي لا يتم إلّا إذا تحقّقت هذه التسويات والموازنات بين الأنغام المختلفة التي تكوّنه"، وبمعنى أسهل الاتّفاق، أو التوافق على رئيس من خارج الاصطفافات الحالية، والتي تشكّل تحدياً للجهات المختلفة، وتعيق الحلول المطلوبة له من أجل الاتّفاق على تسوية عادلة تطال موافقة كافة الشرائح الأساسية في هذا البلد، وبذلك تكوِّن منطلقاً لاتّفاق سياسي يضمن الاستقرار والأمن على كافة الأصعدة، والإنماء في المناطق المحتاجة وإيجاد فرص عمل. فقط بهذه الطريقة وهذا الحل المنطقي الذي يضع حداً لهذه المرحلة الصعبة التي يمرّ بها لبنان والمنطقة، والتي من الممكن جداً في حال عدم الاتّفاق هناك تهديد حقيقي لمصير البلد والدخول في النفق المجهول، والذي يرتدّ سلباً على كافة الشرائح في هذا البلد ومستقبله وكينونته.

وأختمُ بقول المعلّم كمال جنبلاط، "أشهد أنّني بلّغت".

 
هذه الصفحة مخصّصة لنشر الآراء والمقالات الواردة إلى جريدة "الأنبـاء".