عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

رامي الريس (الجمهورية)

لن تحتفل الأمّهات السوريّات المعذبات بعيد الأم، كما لم تفعل الأمهات الفلسطينيات المناضلات منذ سنوات فكما فقدت الأمهات السوريّات أطفالهنّ بوسائل التعذيب أو القصف الجوي الذي قام به النظام السوري، كذلك، فقدت الأمهات الفلسطينيات أطفالهن من خلال الاعتداءات الإسرائيليّة وقصف سلاح الجوّ الإسرائيلي للمدن الفلسطينية خلال العقود الماضية.

ربما يستهجِن البعض إجراء مقارنة، ولَو نظرية، بين النظام السوري والاحتلال الإسرائيلي. ولكن نادراً ما يمكن تمييز أصناف القتل، خصوصاً لناحية مَن يقوم به. فلا يمكن اعتبار هذا القاتل شقيقاً أو صديقاً، وذاك القاتل عدواً. القاتل قاتل، من دون فلسفة أو أسباب تخفيفيّة.

هذا قتلَ حمزة الخطيب ومئات الأطفال السوريين الأبرياء، وذاك قتلَ محمّد الدرة وآلاف الأطفال الفلسطينيين بدمٍ بارد. هذا صادرَ حقوق الشعب السوري في الحرية والحياة والديموقراطية، وذاك صادرَ حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وكرامته وعنفوانه واستقلاله.

هذا قصفَ حمص وحلب وإدلب ودير الزور وريف دمشق، وذاك دَكّ المدن الفلسطينية من رام الله إلى طولكرم وقلقيلية وغزة وسواها من المناطق الأخرى بالقذائف الصاروخيّة والمدفعيّة. لا فرق يُذكر بين هذا وذاك. النتيجة متطابقة تقريباً، الشعبان السوري والفلسطيني يرزحان تحت نير الظلم، ولا فرق بين ظالم وظالم.

مهما يكن من أمر، فإن المؤشرات المتلاحقة توحي بأنّ الأزمة السوريّة تتجه نحو المزيد من التعقيد، لا سيما مع دخول السلاح الكيماوي على الخط واستعماله للمرة الأولى في شمال سوريا. ومن المرجّح أن يكون النظام السوري قد استخدمه لبَعث عددٍ من الرسائل، أوّلها أنّ صَبره بدأ ينفذ في مواجهته القاسية مع المعارضة التي تقضُم تدريجياً من الأراضي السورية، وقد ثَبُت أنه أعجَز مِن أن يقضي على الثورة على رغم كلّ العنف الذي يُمارس، وقد تُوّج باستخدام السلاح الكيماوي.

وثاني الرسائل أن هذا النظام مستعدٌ للذهاب حتى النهاية في الدفاع عن ذاته، حتى ولَو أدّى ذلك إلى إدخال منطقة الشرق الأوسط برمّتها في الفوضى. لا بل بمعنى أدقّ، من مصلحة النظام السوري في هذه اللحظة الشديدة الحَراجَة التي يمرّ بها، أن تدخل المنطقة في الفوضى لأنّ ذلك سيُخفّف عنه الكثير من الأعباء والمصاعب التي يواجهها.

من هذه الزاوية يمكن فَهم التصعيد السوري المتتالي ضد لبنان، تارةً من خلال التهديد اللفظي، وطوراً عبر قصف مواقع معيّنة داخل الأراضي اللبنانيّة تحت ذريعة أنها تأوي مجموعات إرهابيّة مسلحة تستهدف الأمن السوري.

وإذا كان من المسلّم به ضرورة عدم استخدام الأراضي اللبنانيّة لانطلاق أيّ عمليّات أمنيّة نحو الداخل السوري، سواء أكان دعماً للنظام أم مناهضة له؛ إلّا أنّه من المفترض أن يكون مُسلّماً به أيضاً عدم قيام أيّ من الأطراف اللبنانيّة بالقتال داخل سوريا، دعماً للنظام أو لمناوئيه.

باختصار، مطلوبٌ من اللبنانيّين نَزع الذرائع التي قد يرتكز عليها النظام السوري للانقضاض على لبنان، ليس فقط لتخفيف الضغط الكبير الذي يتعرّض له على غير صعيد، إنما أيضاً للانتقام من خروجه المتدحرج من لبنان في 26 نيسان 2005 بُعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

صُودف أنْ تَزامَنَ، في ليلةٍ واحدة، القصف السوري للأراضي الحدوديّة اللبنانيّة مع إطلاق إسرائيل (التي تنتهك السيادة اللبنانيّة والقرارات الدوليّة لا سيّما القرار 1701 بوقاحةٍ لا مثيل لها) قنابل ضوئيّة فوق قرى قضاء صور.

وهذان المثالان إن دَلّا على شيء، فإنما يدلّان على مدى انكشاف هذا البلد. وما يعزّز انكشافه هو اتساع رقعة الانقسام العمودي الحاد بين اللبنانيين وعجزهم عن إنتاج تفاهمات سياسيّة، ولَو بحَدّها الأدنى، تتيح الصمود الى حين مرور العاصفة بأقلّ قدر ممكن من الخسائر.

فما الذي ستستفيد منه بعض القوى اللبنانيّة من خلال استِجرار النزاع السوري إلى داخل لبنان، وهو ما لن يغيّر في واقع الحال داخل سوريا؟ وما الذي يمكن أن يُبرّر، من قبل بعض اللبنانيين، الصمت على القصف السوري على الأراضي اللبنانية؟ فإذا كان هناك حرصٌ على رفض انتهاك السيادة من إسرائيل، وهو حرص محمود بطبيعة الحال، لماذا يمكن التغاضي عن انتهاكٍ آخر للسيادة لا يقلّ خطورة على الإطلاق؟

لبنان، كما كان دائماً في تاريخه المعاصر، يقف على مفترق طرق. فإمّا أن يسقط مجدداً وتلتهمه النار السوريّة التي ستكون ألسنة اللهب فيها لبنانية من خلال الفتنة المذهبيّة، أو أن ينجو بصعوبة من الأفخاخ التي تُنصب له ويشارك بعض اللبنانيين في تركيبها! فماذا سيحدث؟

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

الجيش: ماذا بعد صيدا؟

خامنئي- روحاني- قوروش!

عندما ستدير أميركا ظهرها!

تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

الأرثوذكسي والشمبانيا!

سياسات التصفية والنتائج العكسية

التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!