الأرثوذكسي والشمبانيا!

رامي الريس (الجمهورية)

تختصرُ زجاجة الشمبانيا الكبيرة التي فتحها العماد ميشال عون أثناء اجتماع تكتل “التغيير والإصلاح” احتفالاً بإقرار اللجان النيابية المشتركة مشروع اللقاء الأرثوذكسي، جانباً من مشهد المزايدات التي عاشها النقاش المضني حول قانون الانتخابات النيابية خلال الأشهر القليلة الماضية.

أما الجانب الآخر من المشهد، فتمثل بالاتصالات الهاتفية التي أجراها الجنرال، بعد طول قطيعة، مع ألدّ خصومه السياسيين، أي الرئيس أمين الجميّل والدكتور سمير جعجع، متناسياً المحطات الحافلة بالخلافات والتجاذبات وصولاً إلى الاقتتال الأخوي في حروب الإلغاء الشهيرة التي أدت إلى تدمير مناطق لبنانية عن بكرة أبيها.

طبعاً، ليس المقصود بهذا الكلام نكء جراح الحرب اللبنانية التي غالباً ما يجيدها من يتبعون التيار العوني إياه، في محاولةٍ غير موفقة للإيحاء بأنهم براء من تلك الحرب أو أنهم لم يشاركوا فيها بل كانوا مجرد ضحايا لها. النقاش الآن لا يتصل بالحرب الأليمة التي لا يمكن تنزيه أي طرف لبناني عن المشاركة فيها، إما تقريراً أو تنفيذاً. ولكن هذه المقولة هدفت إلى مجرد التذكير ليس إلّا.

أما بعد، فإنّ مشاهد الاحتفال الفولكلوري في الرابية تتغاضى عن وقائع أساسيّة تتعلق بطبيعة التركيبة اللبنانية، وتتناسى أن التقدم العددي نحو المشروع الأرثوذكسي إنما لا يعني بالضرورة بناء التوافق اللبناني المطلوب حوله، كما حول أي قانون انتخابي آخر. إن مسعى أي فريق إلى تحقيق الغلبة العددية في التصويت على قانون الانتخاب إنما يستبطن نيات إلغائية، لطالما حلم بها الجنرال وبعض معاونيه.

إن الابتعاد عن مسلّمة رئيسية تتعلق بالتركيبة السياسية لهذا البلد القائمة على التوافق بين مختلف مكونات المجتمع السياسي، من شأنه أن يؤسّس لأوضاع متفجرة على أكثر من صعيد في الساحة السياسية الداخلية، ومن شأنه أن يوسّع الهوة بين اللبنانيين، ويقضي على آخر الآمال في إعادة وصل ما انقطع خصوصاً مع تنامي الملفات الخلافية في ما بينهم، وهي تبدأ بالمحكمة الدولية ولا تنتهي بسلاح “حزب الله” أو الأزمة السورية.

قد يقول قائل إن الهدف الدائم هو الاستمرار في سياسة تهميش المسيحيين ومصادرة حقوقهم وتمثيلهم النيابي. من الممكن جداً أن يكون هناك إمكانات جدية للبحث في سبل تحسين مستوى التمثيل، ولكن من قال إنّ هذا يتحقق حصراً من خلال انتخاب كل طائفةٍ نوابها؟ ومن قال إنّ هذا المسار سيؤدي إلى انتخاب نواب يتمتّعون بصفة تمثيلية أعلى من النواب المسيحيين الحاليين؟ ثم، حسابياً، كيف يمكن لكتلة ناخبة تمثل 38 في المئة من الناخبين أن تختار 50 في المئة من أعضاء المجلس النيابي؟

الهدف من هذا الكلام ليس محاولة لتحويل الأنظار عن مشكلة سياسية قد تكون موجودة وتراكمت مفاعيلها السلبية خلال السنوات المنصرمة، ولكن الحلول المقترحة ليست في الضرورة هي الطريق الحتمي لتحقيق الأهداف المتمثلة في ما سُمّي رفع مستوى التمثيل، والذي يحتاج إلى إعادة تعريف مفاهيمية في مطلق الأحوال. إن الحفاظ على الاختلاط والتنوع في الكتل الناخبة أفضل بكثير من إنتاج كتل ناخبة “صافية” من هذه الطائفة أو تلك.

والخطاب السياسي الذي يُضطر المرشح أن يتوجه به إلى كتلة “صافية” من ناخبي الطائفة، هو الأكثر تطرفاً لينال العدد الأكبر من الأصوات. في حين أن التوجه إلى كتل مختلطة ومتنوعة من الناخبين يُحتّم أن يكون الخطاب أكثر اعتدالاً ليلقى القبول من الكتلة إياها.

مهما يكن من أمر، فإنّ نقاش قانون الانتخاب على قاعدة الغلبة العددية لن يُكتب له النجاح، أو سيُجهض من خلال أثمان باهظة، كتأجيل الانتخابات النيابية وهي ضربة تراجعية إلى الخلف. ففي الوقت الذي تبذل فيه العديد من الدول العربية التضحيات الغالية من أرواح ودماء في سبيل التوصل إلى الديموقراطية وإجراء الانتخابات العامة، يُسجّل لبنان الذي يجري انتخابات منذ ستّين عاماً (بقطع النظر عن هشاشتها أو الملاحظات الأساسية عليها) تراجعاً من خلال تأجيل الانتخابات.

من هنا، الخوف أن يكون إقرار مشروع اللقاء الأرثوذكسي في اللجان النيابية المشتركة خطوة شكلية لتغطية ما هو أخطر منها، وللتعمية على مخططات تُحاك تحت الطاولة لإجهاض الاستحقاق الانتخابي، لا سيما أن المجلس النيابي المقبل يفترض به انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، وهو ما يرفع من التحديات السياسية بشكل كبير.

ختاماً، نذكر بقول للشهيد كمال جنبلاط قد يفيد بعض زعماء هذا الزمن الرديء، وهو الذي قال: “على الذين يريدون أن يكونوا زعماء سياسيّين أن يبنوا الزعامة في شخصياتهم أولاً”.

واللبيبُ من الإشارة يفهم… أو ربما لا يفهم!

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس (الجمهورية)

ماذا وراء دعوات جنبلاط الحواريّة؟

ماذا بعد تفجير الضاحية الجنوبيّة؟

ثورة لاستعادة الثورة المسلوبة

الجيش: ماذا بعد صيدا؟

خامنئي- روحاني- قوروش!

عندما ستدير أميركا ظهرها!

تنظيم الخلاف السياسي: هل هو ممكن؟

عندما سيطوف البركان السوري على لبنان!

هل تخدم الفتنة منطق «الممانعة»؟

عندما تُنقذ إسرائيل النظام السوري!

على مشارف الفوضى الإقليميّة!

تلاقي الأضداد بين لبنان وسوريا!

الثورات العربيّة وحقوق الإنسان!

في ذكرى الحرب: هل تعلّمنا الدرس؟

عندما تتداخَل ألسنة اللهب!

قبل السقوط في الفوضى الدستوريّة!

عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة

كيف نخرج من القرون الوسطى؟

سياسات التصفية والنتائج العكسية

التحوّلات العربية وسياسات الإنفاق!