ملخص «الإرشاد الرسولي» بصيغته النهائية: لا أحد من مسيحيي لبنان يمتلك مشروعاً مقبولاً والتطرّف يهدّد الجميع

حصلت «السفير» على ملخص «الإرشاد الرسولي» الجديد الذي سيعلن رسمياً خلال زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر الى لبنان في منتصف ايلول المقبل، في ضوء النسخة الأخيرة التي رفعت الى الحبر الأعظم في الفاتيكان، على أن يضع عليها توقيعه لتصبح نسخة رسمية.
ياتي صدور «الإرشاد الرسولي»، في أعقاب الجمعية العمومية الخاصة للشرق الأوسط التي عقدت في الفاتيكان بين 10 و24 تشرين الاول 2010 وحضرها بطاركة وأساقفة الشرق، بدعوة من البابا بنديكتوس السادس عشر، وكان لكل مشارك فيها مداخلة تحت عنوان وموضوع محددين.
ووفقاً لمصدر كنسي، فإن هذا النص قدّمه البابا الى البطاركة والأساقفة خلال زيارته الى قبرص في حزيران 2010 للمطالعة وإبداء الرأي، على ان تعاد صياغة النص ليصدر بصيغة «ارشاد رسولي»، اي بمثابة دستور يحمل توقيع البابا ويصبح ملزماً للكنائس لكي تسير بهديه.
وتجدر الاشارة الى ان السرعة التي تمت فيها الدعوة وانعقاد الجمعية وإعداد الإرشاد بين 2009 و2012 هو عمل غير مسبوق في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.
ماذا يتضمّن «الإرشاد» الجديد؟

التحدي الديني

يبدأ «الارشاد» بتعريف منطقة الشرق الاوسط على انها جغرافيا، المنطقة الممتدة من مصر وصولاً الى ايران. ويركّز على حضور المسيحيين في هذه المنطقة منذ ايام السيد المسيح، وقبل صعوده الى السماء خاطبهم بالقول «ستكونون لي شهوداً في اورشليم واليهودية والسامرة حتى اقاصي الارض».
يركز «الارشاد» على حضور المسيحيين ودعوتهم في العيش وإعلان هذا السلام حتى في قلب الاضطهادات وفقاً لتعاليم المسيح بأن يكونوا صانعي سلام.
ويقارن «الارشاد» بين الوضع الحالي في الشرق الاوسط بجزئه الاكبر وبين وضع المسيحيين تحديداً مع بداية الانطلاقة المسيحية، ليؤكد لهم أن ما يعانونه اليوم قد عاشه آباؤهم وأجدادهم، وتالياً عليهم التمسك بجوهر ايمانهم الذي يرتكز على القيامة وليس على الموت.
ويدعو «الارشاد» المسيحيين خصوصاً الى معرفة عميقة بالمسلمين واليهود «كي يكون التزامهم بالسلام والوئام والقيم المشتركة أعمق وأقوى»، كما يدعو الى تدعيم الشراكة بين مختلف الكنائس الكاثوليكية في الشرق الاوسط وبينها وبين الكنائس الارثوذكسية، انطلاقاً من قراءة معمقة للكتب الدينية وتحديداً لكتاب العهد الجديد.
واذ يشدد «الارشاد» على وجوب التركيز على الروح الرسولية لدى مسيحيي الشرق الاوسط، فإنه يؤكد ان اوضاع بلدان الشرق الاوسط مختلفة عن بعضها البعض، داعياً أبناء الكنيسة الى عدم الخوف من قلة عددهم، مع التشديد على دورهم في ابراز المساواة وعيشها وتوطيد دعائم ديموقراطية سليمة تعترف بكامل دور الدين في مختلف وجوه الحياة اليومية بما فيها الحياة العامة، مع الاحترام الكامل للتمييز بين ما هو ديني وما هو دنيوي.
كما يدعو «الارشاد» المؤمنين الى تعميق روابط التضامن في ما بينهم، ويحذرهم من مغبة الوقوع في التقوقع والانغلاق. ويلحظ أهمية التربية والإعلام في هذا الاطار.

التحدي السياسي

أما بالنسبة للتحديات السياسية التي تواجه المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط، فإن الوثيقة التي وزعها الحبر الأعظم في قبرص تعترف بالنقاط الآتية:
1 الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية يُعقد الحياة اليومية لجهة حرية التنقل والاقتصاد والحياة الاجتماعية والدينية. وفي موقف لافت للانتباه، تشير الوثيقة الى ان «بعض المجموعات المسيحية المتطرفة تبرر عبر اجتزاء بعض الآيات من الكتاب المقدس، الظلم واللاعدالة السياسية المفروضة على الفلسطينيين الأمر الذي يجعل وضع المسيحيين العرب دقيقاً أكثر».
2 بالنسبة الى العراق، تشير الوثيقة الى ان «الحرب اطلقت العنان لقوى الشر في البلاد، خصوصاً بين التيارات السياسية وبين الطوائف الدينية، ولقد حصدت ضحايا من طوائف الشعب العراقي كافة، الا ان المسيحيين كانوا من ابرز ضحاياها لانهم يمثلون الجماعة الاقل عدداً والاضعف بين الطوائف العراقية».
3 تلحظ الوثيقة ان المسيحيين في لبنان منقسمون على الصعيدين السياسي والمذهبي، وما من احد يمتلك مشروعاً مقبولاً من الجميع.
4 اما بالنســبة الى مصر، فإن صعود الاســلام السيــاسي من جهة وضعــف التزام المسيــحيين من جهة اخرى، يجعــل من واقع حياتهم عرضة لصعوبات جمّة.
5 تلحظ الوثيقة ان «الانظمة التسلطية وحتى الديكتاتورية منها» تدفع بشعوبها بمن فيهم المسيحيون الى تحمل الصعوبات بصمت مطبق.
6 لا تغفل الوثيقة الوضع في تركيا، حيث ان مفهوم العلمنة كما هو مطبق اليوم يطرح مشاكل عدة بالنسبة الى الحرية الدينية في البلاد.
واذ يشير المصدر الكنسي الى ان الشق السياسي الوارد في هذه الوثيقة سيكون هو ذاته «الارشاد الرسولي» المتوقع، فإن «الارشاد» سيدعو الى احترام حرية الضمير انطلاقاً من دعوته الى احترام حقوق الانسان عموماً في منطقة الشرق الاوسط.
ويوسع «الارشاد» مفهوم الانسان ليشمل الانسان كفرد او ما يسميه الانسان المادي، والانسان المعنوي والمقصود به الجماعات الانسانية، مشدداً على ان «ليس هناك من تناقض بين حقوق الانسان وحقوق الله».. ومن هنا فإن «من لا يحترم مخلوقات الله لا يحترم الخالق في عينه».
ويعترف «الإرشاد» بان السلام والعدالة والاستقرار في المنطقة هي من الشروط الاساسية لتوطيد عيش حقوق الانسان في هذه المنطقة.

رسالة الى المسيحيين والمسلمين

ويدعو «الارشاد» المسيحيين الى عدم التخوف من المسلمين، مؤكداً في الوقت عينه ان التيارات المتطرفة «تشكل تهديداً للمسيحيين والمسلمين معاً»، ناقلاً تأكيد ضيوف الحبر الاعظم من المسلمين الذين حضروا جلسات الجمعية العمومية، أن «الإسلام المتطرف يستهدف بشكل أساس المجتمع الاسلامي قبل المسيحي».
ويدعو «الارشاد» الى التمسك بالقيم العائلية، خصوصاً تلك التي قامت عليها مجتمعات منطقة الشرق الاوسط والتي على اساسها عاشت حقبات طويلة بصورة مشتركة ومتناغمة.
ويفرد «الارشاد» صفحات لإبراز طرق ووسائل الشهادة المسيحية في الشرق، خصوصاً من خلال التعليم الديني والإعلام وعيش الاسرار المقدسة والحوار المسكوني وحوار الحياة المشتركة مع المسلمين، مستشهداً بكلمة للبابا بنديكتوس السادس عشر «ان الحوار الديني والثقافي المشترك بين المسيحيين والمسلمين لا يمكن ان يكون خياراً موسمياً او عابراً، انه في الواقع حاجة حيوية يرتبط بجزء كبير بها مستقبلنا المشترك».
واذ يدعو «الارشاد» المسيحيين عموماً والشباب منهم على وجه الخصوص الى التجذر اكثر فاكثر في مجتمعاتهم، مشدداً على عدم انغلاقهم في امكنة جغرافية مغلقة على ذاتها او في انطوائية على الذات، فإنه مرة جديدة يدعو المسيحيين والمسلمين الى العمل معاً وبصورة فاعلة على توطيد العدالة الاجتماعية والسلام والحرية وحماية حقوق الانسان وقيم الحياة والعائلة، داعياً الشباب المسيحي والمسلم للقيام بأنشطة مشتركة في خدمة المجتمع، والى توطيد صداقات أصيلة في ما بينهم، بحيث تكون النتيجة أن الدين يغدو عامل اتحاد ووحدة وليس عامل انقسام وتفرقة.
يضيف «الارشاد»: هكذا تبدو مساهمة المسيحيين من خلال حمل «قول الحق وفعل الحق بوجه الأقوياء الذين يضطهدون أبناء الشرق او اولئك الذين يتبعون سياسات مضرّة وغير ملائمة لمصلحة بلدان الشرق الاوسط وشعوبها او اولئك الذين يلجؤون الى العنف من أجل تحقيق مآربهم».
ويلحظ «الارشاد» بأن العنف والطغيان سواء أتى من جهة الاقوياء او الضعفاء، حمل الفشل الى منطقة الشرق الاوسط، من هنا فإن مساهمة المسيحيين والمسلمين تتطلب منهم شجاعة كبرى في أن يسلكوا معاً طريقاً مشتركاً لبناء مجتمع أكثر عدالة وتضامناً واكثر انسانية.

خلاصة «الارشاد»

ويخلص «الارشاد الرسولي» الى القول، بأن للمسيحيين دوراً خاصاً ولا غنى عنه في بناء مجتمع من القيم المرتكزة اساساً على قيم الانجيل، وان باستطاعة المسيحي أن يؤمّن مساهمة فاعلة في اطار فرض احترام العدالة والسلام، خصوصاً في ما يتعلق بالنزاع الاساسي في الشرق الاوسط وهو النزاع الاسرائيلي الفلسطيني، داعياً المسيحيين والمسلمين معاً الى السير نحو العمق وعدم التأثر بالقشور، مشدداً على عدم الخوف لأن رسالة المسيحي والمسلم سترتكز على السلام والعدالة والمساواة. «وهذا هو الرجاء المشترك الذي يجب أن يحرك شعوب وأبناء هذه المنطقة وسط الصعاب والتحديات التي تواجههم، حيث يبقى إيمانهم نبعاً لا ينضب لجيلهم وللأجيال الآتية عبر إعطائها عوامل تضاعف من الثقة بمستقبل هذه المنطقة ودورها بالنسبة الى العالم».