وليد جنبلاط في موقفه الأسبوعي لـ “الأنباء”: لمست خلال زيارتي للسعودية كل الحرص على لبنان… إعلان بعبدا وحده يصوب وجهة السلاح

أي مواقف سياسية تُنشر نقلاً عن الرئيس الشهيد رفيق الحريري تتعلق بمسألة السلاح أو الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي أو القضية الفلسطينية غير مستغربة على الاطلاق وهو الذي ترعرع في صفوف القومية العربية وناضل فيها على مدى سنوات وكان دائماً إلى جانب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وسعيه المتواصل لاقامة دولته المستقلة، فضلاً عن دوره الكبير في التوصل إلى تفاهم نيسان الذي شرعن المقاومة وحيّد المدنيين من الصراع والحروب، وكان تقدماً كبيراً على أكثر من صعيد.

ومع أخذ ذلك بالاعتبار، إلا أنه لا يمكن في نهاية المطاف إلغاء واقعة الاغتيال الرهيب والاجرامي الذي طاول الرئيس الحريري والجرح العميق والبالغ الذي تركه في نفوس شريحة واسعة من اللبنانيين، ونحن منها، طالبت عن حق بكشف الحقيقة وتطبيق العدالة. وهنا، نعيد تكرار مواقفنا السابقة لناحية ضرورة تزويد المحكمة الدولية بكل القرائن والبراهين التي سبق أن أعلنت وتم عرضها للرأي العام. فالمحكمة الدولية أصبحت أمراً واقعاً وبإمكان الجهات المتضررة الدفاع عن نفسها أمامها تفادياً للسجال المستمر حول هذه المسألة وتبياناً للحقيقة بشكل نهائي وتام، مع الاشارة الى ضرورة حصر المحاكمة بالمتهمين المعنيين دون سواهم لتفادي إنزلاق الأمور نحو إعتبارات مذهبية تترك تداعيات سلبية على أكثر من صعيد.

أما إفتعال السجال المستمر حول السلاح فليس هو الحل لهذه القضية التي شخصّها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بدقة ووضوح عندما أشار في دعوته لنقاش الخطة الدفاعية عبر هيئة الحوار الوطني إلى “سلاح المقاومة وكيفية الاستفادة منه إيجاباً للدفاع عن لبنان والاجابة على الاسئلة التالية: لماذا يستعمل؟ ومتى؟ وكيف؟ وأين؟”. من أجل كل ذلك، وحده إعلان بعبدا والثوابت التي حددها الرئيس سليمان هي الطريق الصحيح لاعادة تصويب وجهة هذا السلاح بدل أن يتوه ويسقط في القصير أو غير القصير، وهي الطريق الصحيح للحيلولة دون أن تًمحى من الذاكرة النضالات والتضحيات المشرفة التي بذلتها المقاومة في الدفاع عن الجنوب اللبناني على مدى عقود والتي أدت إلى تحريره من الاحتلال دون قيد أو شرط.

من هنا، بقدر ما يقترب اللبنانيون من التفاهم حول خطة دفاعية وطنية تفضي في نهاية الأمر لأن تتولى الدولة حصراً وظيفة الدفاع عن أراضيها أسوة بما هو قائم في كل دول العالم، بقدر ما تتأمن الحماية للبنان. وبقدر ما يتكرس الانقسام حول هذا السلاح وحول الخطة الدفاعية بقدر ما نضعف الجبهة الداخلية ونبقي البلد مكشوفاً أمام كل أنواع المخاطر الأمنية والسياسية.

وهذا يعيدنا مجدداً إلى الجيش اللبناني وضرورة تأمين كل أشكال الدعم السياسي واللوجستي له ليتمكن من القيام بالمهام الوطنية الكبرى المنوطة به، بعيداً عن التجاذبات أو المناكفات والمزايدات. وبالمناسبة يجوز لنا التساؤل عن مصير المطلوبين في عرسال والأسباب التي لا تزال تحول دون توقيفهم حتى اللحظة.

إن الأفكار الرئيسية المتصلة بقضية السلاح أصبحت واضحة أي الدفاع عن لبنان وعدم إستخدامه لأي أسباب أخرى، وأن تكون الأهداف لبنانية ولبنانية فقط كي لا يتحول لبنان مجدداً إلى ساحة لتصفية الصراعات الاقليمية والدولية. وهنا، لقد آن الأوان لايران أن تعدل عن سياستها المنحازة في دعمها لنظام سيسقط عاجلاً أم آجلاً ويضعها في موقع النقيض المطلق للدفاع عن المستضعفين وهو أحد شعاراتها القديمة فضلاً عن كونه يعمق الشرخ المذهبي الذي نحن بغنى عنه.

كم كان من الأفضل لو تعتبر إيران من المشهد الرهيب الذي نراه كل يوم في بعض الدول العربية كالعراق أو الاسلامية كباكستان التي تعاني من التطرف المذهبي والذي يسقط ضحيته كل يوم العشرات من المواطنين الأبرياء الذين لا ذنب لهم ويُستهدفون فقط بسبب إنتمائهم المذهبي؟ ألا تعطي هذه المشاهد الذريعة الملائمة للحركات التي تدعي الأصولية والسلفية والتي تتغذى من بعض الجهات العربية لاخفاء الأهداف الحقيقية للثورة السورية ولتشويه صورتها المدنية والديمقراطية كما كانت لحظة إنطلاقها؟ وألا تعطي هذه المشاهد أيضاً الذريعة للغرب لمزيد من الاستفادة من الصراع المذهبي في المنطقة أو للايحاء بأن الثورات العربية تولد الارهاب والتطرف، وتغذّي بعض النظريات الاستشراقية البغيضة كالتي نادى بها برنارد لويس وسواه من الكتاب الأميركيين أو غير الأميركيين؟ وألا تستفيد إسرائيل من كل ذلك أيضاً في حربها العنصرية ضد العرب والفلسطينيين؟

في مجال آخر، السويداء عبّرت مرة جديدة عن أصالتها من خلال بيان مشايخها الذين أكدوا عروبتهم ووقوفهم إلى جانب الحق ورفضهم الظلم والقمع وإلتزامهم الثورة وإدانتهم للخارجين عنها، وهي ليست بحاجة لمن يدافع عنها من لبنان أو غير لبنان أو لتسجيل بطولات وهميّة من على المنابر. إن مشايخ السويداء سجلوا من خلال بيانهم الأخير موقفاً متقدماً جداً يعكس تمسكهم بالقيم والمبادىء الأساسيّة وإنحيازهم للعدل والحرية، وتاريخهم مشرف في هذا المجال منذ مواجهتهم الانتداب الفرنسي ورفضهم الخضوع والاذلال. التحية، كل التحية، للمشايخ العرب في جبل العرب على نصرتهم للثورة السورية، والتحية إلى الثورة السورية التي تسجل كل يوم بطولات أسطورية وملحميّة في مواجهة آلة القتل والاستبداد وهي تتكبّد في سبيل ذلك تضحيات كبيرة وهائلة وإستثنائية.

أخيراً وليس آخراً، فإنني لمستُ خلال زيارتي إلى المملكة العربية السعودية ولقائي مع الأمير سعود الفيصل والأمير بندر بن سلطان كل الحرص على لبنان وإستقراره ولمستُ من قيادة المملكة وقوفاً حازماً إلى جانب الشعب السوري في نضاله المحق من أجل الحرية والاستقلال نحو بناء سوريا جديدة.