جنبلاط في موقفه الاسبوعي للأنباء: خطاب الاسد منفصل عن الواقع

بعيداً عن الأجواء الراقية التي من المفترض لقاعة الأوبرا أن ترخيها على أي زائر لها، جاء خطاب بشار الأسد مكرراً ممجوجاً ومنفصلاً تماماً عن الواقع وهو الذي تعذر عليه الوصول إلى قصر المؤتمرات المحاذي لمطار دمشق الدولي الذي خرج عن السيطرة. ومع ذلك جاء هذا الخطاب يعيد ما سبق وقاله في خطاباته الأولى بعيد إندلاع الأزمة دون تغيير نقطة أو فاصلة أو حرف!

إلا أن الفارق الكبير الذي لم يدركه الأسد هو أن الخطابين الأول والثاني اللذين ألقاهما لم يكن عدد القتلى قد تخطى الثلاثة الآف قتيل بينما هو اليوم تخطى الستين ألفاً وفق تقديرات الأمم والهيئات الدولية التي تبقى قاصرة أيضاً عن إحتساب من تمت تصفيتهم في السجون والمعتقلات أو المفقودين الذين لم يعد لهم أي أثر. وكان السوريون لا يزالون يعيشون في بيوتهم قبل أن يهجروا ويشردوا بمئات الآلاف إلى الدول المجاورة مثل لبنان وتركيا والاردن، وهم يعانون من ظروف معيشية صعبة جداً فضلاً عن ملايين المهجرين في الداخل السوري.

لقد بلغت حالة الانفصام عن الواقع مرحلة متقدمة على ما يبدو إذ أن رزمة الخطوات التي تم إقتراحها بالأمس وسميت “مبادرة سياسية للخروج من الأزمة” لا تعدو كونها إعادة لما سبق أن نفذ بشكل مشوه في المرحلة الماضية. فالدستور الجديد والاصلاحات الشكلية والاستفتاء والانتخابات الوهمية كلها نفذت في السابق ولو فوق جثث أبناء الشعب السوري وعلى أشلائه وفوق ركام المدن والقرى التي شهدت تدميراً منهجياً ومنظماً؟

فما هي الاقتراحات الجديدة التي تم تقديمها؟ لقد مضى الزمن على هذه الخطوات التي كانت مطلوبة قبل إندلاع الأزمة أو أقله رداً على المطالب الشعبية التي قوبلت بالحلول الأمنية والقمعية. إن هذه المقترحات هي التي تعتبر فقاعات صابون لأنها لم تعد تعالج عمق المشكلة وهي غير قادرة على إنتاج حلول جذرية هي بكل واقعية وبساطة رحيل النظام.

إن أي تفكير بما هو أقل من ذلك، أي رحيل النظام، يضع سوريا أمام منعطفات كبرى وأمام دورات جديدة من العنف ستكون بمثابة ترجمة للخطاب الأوبرالي المكرر. لقد أقفل هذا الخطاب الباب أمام كل المبادرات السياسية العربية والدولية، على هشاشتها، وسبق أن دفن النظام المبادرة تلو المبادرة للاستفادة من حالة التخاذل الدولي لمزيد من الاطباق على الشعب السوري الصامد والمقاوم!

إنطلاقاً من هنا، قد يكون من المفيد لكل الفرقاء اللبنانيين التفكير في الحد الأدنى من التلاقي بدل إنتظار نتائج الأزمة السورية وبناء الرهانات السياسية أو غير السياسية عليها. ويخطىء في لبنان من يظن أن الفرج في سوريا قريب وأنه يستطيع بذلك بناء حسابات سياسية للمرحلة المقبلة على هذا الأساس. وحبذا لو يستلهم البعض في لبنان موقف التيار الصدري في العراق من حكومة المالكي ليعيد صياغة مواقفه السياسية بشكل أو بآخر حمايةً للوحدة الوطنيّة.

ختاماً، تبدو حالة سوريا بمثابة دراما رسمها بدقة شبح الموت في أوبرا دمشق!