معركة عفرين والاستراتيجية الأميركية الجديدة في سوريا

منذ إعلان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، استراتيجية بلاده الجديدة إزاء سوريا، مؤكداً عدم انسحاب القوات العسكرية الأميركي من شمال شرقي سوريا قبل تحقيق أهدافها، ومن بينها “إنهاء نفوذ إيران، والوصول إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة يؤدي إلى رحيل بشار الأسد”، عادت الأزمة السورية الى واجهة الضوء، وعادت المعارك العسكرية لتشتعل من جديد على أكثر من جبهة، بما فيها (مناطق خفض التوتر) الخاضعة لاتفاقات مؤتمر الآستانة، كدرعا والغوطة الشرقية وإدلب.

تيلرسون الذي حض روسيا على الوفاء بالتزاماتها والضغط على نظام الأسد للانخراط في مفاوضات جنيف، أشار إلى أن واشنطن ستعمل مع أنقرة لمواجهة (حزب العمال الكردستاني) في شمال سوريا، وأكد أن الوجود في شرق سوريا سيستمر لتحقيق خمسة أهداف، هي: “منع عودة (داعش)، وحل الصراع سياسياً بين الشعب السوري والنظام بقيادة الأمم المتحدة لتنفيذ القرار (2254)، للوصول إلى قيادة من دون الأسد، وإنهاء النفوذ الإيراني، وعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى بيوتهم طوعاً، وإخلاء سوريا من أسلحة الدمار الشامل”.

الاستراتيجية الأميركية الجديدة في سوريا، تنطلق وفق مصادر دبلوماسية غربية من، “تقويم جديد لموقع سوريا في مواجهة التوسع الإيراني في المنطقة، يختلف عن التقويم السابق الذي اعتمدته في مواجهة تنظيم “داعش”، ويندرج ضمن هذه الأولوية عمل ميداني يشمل دعم وتسليح (30 ألف جندي سوري) في شمال وشرق سوريا، بهدف قطع الطريق على الامداد الإيراني إلى المتوسط.

أما على المستوى السياسي، كشفت المصادر “أن واشنطن تعدّ ورقة عمل في شأن تصورها للحل في سوريا على قاعدة مقررات جنيف(1)، وقد استضافت من أجل ذلك اجتماعا خماسياً ضمّ مندوبي فرنسا وبريطانياوالمملكة العربية السعودية والأردن، بهدف تشكيل مجموعة دولية موازنة للتحرك الروسي على مسار آستانة، على أن تكون المجموعة الخماسية (واشنطن – باريس – لندن – الرياض – عمان) عنصراً مقابلاً لمجموعة الآستانة (موسكو– طهران – أنقرة)، ويعمل على تعزيز مواقع التفاوض الداعمةلمسار جنيف ودفعه نحو انتقال سياسي فعلي في سوريا، بعيدا عن محاولات روسيا وفرضها للحل السياسي على طريقة مؤتمر سوتشي المتوقع عقده منتصف شباط القادم”.

روسيا ايران

أربكت الاستراتيجية الأميركية الجديدة موسكو وطهران، سيما وأنها تزامن مع التظاهرات الإيرانية ضد قرارات الحكومة وسلطة المرشد الأعلى، ومع قصف قاعدة حميميم الروسية من قبل فصائل المعارضةالسورية بعد أيام من زيارة الرئيس الروسي اليها، ما دفع بالقيادة الروسية توفير الغطاء الجوي للعملية العسكرية التي اطلقها النظام السوري والميليشيات الداعمة له ضد مواقع المعارضة في إدلب، والغوطة ودرعا وريف حماه، والتي عارضتها تركيا وطالبت بوقفها والالتزام باتفاقات الآستانة.

لكن تركيا حليف الولايات المتحدة الأميركية في الناتو والتي تعاني من توتر في العلاقة مع البيت الأبيض، وتحاول فكفكة الألغاز والمطبات والكمائن التي تنصبها لها مؤسسات الإدارة الأميركية العسكرية على خلفيات تعارض مصالحهما في سوريا، قرأت عناوين الاستراتيجية الأميركية، بصورة مختلفة حيث برزت الحاجة الملحة لامتلاك زمام المبادرة أمنيًا، فاطلقت العنان لآلتها العسكرية، رغبة منها في اقتناص فرصة تحقيق مصالح أمنها القومي وتصفية خلافاتها التاريخية مع الأكراد لاسيما في سوريا، فقد وافقت تركيا في الماضي او سكتت على تزويد فصائل الحماية الكردية بأسلحة خاصة لمواجهة تنظيم “داعش” في الرقة، بعد أن رفضت واشنطن اقتراح تركي آنذاك بأن تشارك قوات الجيش السوري الحر في معركة الرقة على أن تدعمه تركيا عن بعد، لكن الإدارة الأميركية اتجهت نحو تسليح وحدات الحماية الكردية، ودعمتها بسلاح ثقيل ونظمت فصائلها في إطار (قوات سوريا الديمقراطية) التي بسط سيطرتها على المناطق الكردية في شمال سوريا بعد تحرير الرقة ودير الزور من تنظيم “داعش”، كما احتفظت (قوات سوريا الديمقراطية) بعلاقات وطيدة مع حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر الخصم الأبرز والأشرس للدولة التركية، وفق معلومات قدمتها تركيا الى الولايات المتحدة الأميركية.

زادت هواجس ومخاوف تركيا عندما لاحظت نقاط المراقبة المتقدمة شمالي سوريا والتي دخلتها انقره بموجب اتفاق خفض التوتر، أن المجموعات الكردية بدأت تنشط في اتجاهات “مريبة جدًا”، مثل الاتصال والتواصل مع قرى بأغلبية كردية داخل جنوبي تركيا.

من هنا تحديدًا، وعلى هذا الأساس والخلفية قررت انقرة خوض معركة عفرين وجوارها وتوسيع نطاق عملية درع الفرات بهدف انشاء منطقة آمنة بعمق 30 كم داخل الشمال السوري. وفق ما نقلت قناة (خبر ترك) التلفزيونية التركية عن رئيس الوزراء بن علي يلدريم قوله “إن قوات الجيش التركي دخلت عفرين السوريا، وأن العملية ستنفذ على 4 مراحل وسيتم تشكيل منطقة آمنة بعمق 30 كيلو متر”. ولفت يلدريم إلى أن بلاده، متفقة مع روسيا في جميع المواضيع، مؤكداً أن “الولايات المتحدة لم تصدر موقفا معارضا لعملية عفرين، وأن أنقرة أبلغت حكومة الأسد عن العملية بواسطة روسيا وإيران”، مؤكداً أن العملية لن تؤثر على مفاوضات أستانا وسوتشي.

مصادر دبلوماسية متابعة، نقلت عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله في جلسة مغلقة، “أن موسكو نجحت في ضبط تركيا لعدة شهور قبل الاستفزاز الأميركي الأخير”، محملاً واشنطن مسؤولية التدهور الحاصل، وفهم من لافروف أن موسكو “تتفهم القلق التركي”، لكنها تسعى إلى “تنسيق التحرك العسكري لئلا يسفر عن تقويض جهود عقد (مؤتمر الحوار الوطني) في سوتشي من جهة، أو توسيع نطاق المواجهات في شكل يدمر نهائياً إنجاز مناطق تخفيف التوتر التي اقرت في الآستانة من جهة أخرى”.

لافروف

وكشفت المصادر، أن موسكو توصلت إلى ما يمكن تسميته بـ “صفقة مصالح” مع أنقرة حول لائحة المدعوين إلى (سوتشي) بعد موافقة طهران عليها، ما يعزز فرضية أن النقاشات المكثفة التي أجرتها موسكو مع أنقرة خلال الأيام الماضية على المستويين العسكري والديبلوماسي، حملت طابعاً واسعاً، ولم تقتصر على ملف عفرين، بل تناولت الوضع في إدلب أيضاً والحل السياسي الذي تقوده روسيا، “حيث تتولى أنقرة العمل مع فصائل المعارضة السوريا من أجل إشراكها في (مؤتمر الشعب السوري) المزمع عقده في سوتشي في 30 كانون الثاني الجاري، مقابل غض نظر روسي عن عملية عفرين وسحب المراقبين الروس الى الداخل السوري”.

من جهة أخرى أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، عن “عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لبحث الأوضاع في سوريا على خلفية العملية العسكرية التركيةفي عفرين.” وأكد في تغريده له على “تويتر”، أن “فرنسا ستدعو لتسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية”. وقال بهذا الشأن: “فرنسا تدعو لبحث الوضع في الغوطة وإدلب وعفرين”، مشيرا إلى أنه تحدث بهذا الشأن مع نظيره التركي، حيث تجري تركيا “عملية غصن الزيتون” العسكرية، وتقول إنها تستهدف حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب الكردية، وقوات سوريا الديمقراطية، وتنظيم “داعش” في عفرين.

وكانت رئاسة الأركان التركية قد أعلنت في بيان رسمي، بدء هجوم بري وجوي في سوريا تحت اسم “عملية غصن الزيتون” بمشاركة مقاتلي (الجيش السوري الحر)، بهدف “إرساءالأمن والاستقرار على حدودنا، وفي المنطقة، والقضاء على إرهابيي وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش في مدينة عفرين، وإنقاذ شعب المنطقة من قمع وظلم الإرهابيين”. وأكدت الحكومة التركية أن عمليتها العسكرية “لا تستهدف التركمان والأكراد والعرب في المنطقة وإنما موجهة ضد التنظيمات الإرهابية”. وأكدت أنها تدير عمليتها تلك بالاتساق مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن حول مكافحة الإرهاب، وحق الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

من جهتها توعدت (قوات سورية الديمقراطية) المدعومة من الولايات المتحدة بالدفاع عن نفسها متهمة تركيا باستغلال مزاعم بقصف عبر الحدود ذريعة لشن هجوم في سوريا (عملية عفرين). وحذّرت في بيان لها بأنها “لا تجد خياراً أمامها سوى الدفاع عن نفسها إن تعرضت لهجوم”.

فوزي ابو ذياب- “الأنبــاء”