الحكم بالسجن للصحافية حنين غدّار: غدر غير مسبوق بحق الحريّات في لبنان!

يكفل الدستور اللبناني في مقدمّته حريّة الرأي والمعتقد، إذ نصّت المادة 8 منه على أن الحريّة الشخصيّة مصانة وفي حمى القانون، كما نصّت المادة 13 على حريّة إبداء الرأيّ قولاً وكتابة وحريّة الطباعة وحرية الإجتماع.

هذا في المبدأ، لكن يبدو أن سقف المحاكمات في لبنان بات أعلى من سقف الدستور، وأن الأحكام العسكرية الصادرة بحقّ المتّهمين بجرائم التعبير عن آرائهم قولاً أو كتابةً باتت في حمى انتهاك الدستور بغطاء قانون العقوبات، الذي تُثبَتُ يوماً بعد يوم الحاجة الماسّة لتعديله بما يتماشى والخطوط العريضة المحدّدة في الدستور.

فبعد ملاحقة الإعلامي الزميل مارسيل غانم مؤخراً، وبعد لجوء القضاء اللبناني لملاحقة عددٍ من الشبان في العاميْن الأخيرين، على خلفية نشرهم آراء نقدية بحق مسؤولين لبنانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، أصدرت المحكمة العسكرية أمس حكماً غيابياً في حق الباحثة اللبنانية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الصحافية حنين غدار، يقضي بسجنها ستة أشهر، وذلك بسبب تصريح لها في محاضرة في واشنطن عام 2014 ، لفتت خلاله إلى أنّ “الجيش اللبناني يميّز بين ارهاب سني وإرهاب شيعي ويتسامح مع الاخير”!

الحكم على غدّار استند إلى قانون العقوبات الذي يجرم التحقير والقدح والذمّ في حقّ الموظفين العموميين في المواد 383 الى 386 منه، فيما تجيز المادة 384 منه السجن من 6 أشهر إلى سنتين بتهمة تحقير رئيس الجمهورية أو العلم أو الشعار الوطني.

غير أن المنظمات الحقوقية العاملة في لبنان تجمع على أن القانون اللبناني لم يعرّف مصطلحات “القدح” و”الذم” و”التحقير” بشكل واضح مما يسمح باستخدام هذه التعابير الغامضة والفضفاضة لقمع انتقاد الأعمال أو السياسات التي ينتهجها المسؤولون الحكوميون. وقد نصّت “لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان”، التي تُفسر “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، على أن “مضايقة شخص بسبب الآراء التي يعتنقها أو تخويفه أو وصمه، بما في ذلك توقيفه أو احتجازه أو محاكمته أو سجنه” تُشكل انتهاكا للعهد، الذي صادق عليه لبنان عام 1972.

وانطلاقاً من هذا السقف القانوني الملزِم للبنان دولياً، يمكن القول ان الملاحقات التي يجيزها قانون العقوبات اللبناني بتهم القدح والذم والتحقير والمساس بهيبة الدولة تمثل هي بذاتها انتهاكاً لحريّة المواطنين المتّهمين. فكيف بالحري إذا كانوا من أهل القلم ومن أهل الصحافة والإعلام، المؤتمنين أكثر من غيرهم على صون الحريات في هذا البلد؟

بالأمس مارسيل غانم، واليوم حنين غدّار، وقبلهما مواطنون كثر تم استدعاؤهم ومضايقتهم بتهم التعبير عن آرائهم بحرية عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وربّما الآتي أعظم.

فأي مصير ينتظر الحريات العامة في لبنان وفي مقدّمها حرّية الرأي والتعبير؟! وبعد نفاذنا من عهود الإنتداب والإحتلال والوصاية والإغتيال، هل نحن أمام عهد جديد من التذاكي القانوني لقمع الحريات وكم الأفواه؟!

غنوة غازي – “الأنباء”