الإعلام اللبناني و”سوقية” التواصل الإجتماعي!

يعاني الإعلام اللبناني منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا نوعاً يكاد يكون الأخطر من أنواع “الحمّى” التي أصابته تاريخياً. هي “حمّى” التواصل الإجتماعي!

فمع اجتياح تكنولوجيا التواصل الإجتماعي والتداخل الكبير الذي راح يشق طريقه شيئاً فشيئاً بينها وبين وسائل الإعلام التقليدية مسهماً بتراجع الأخيرة ومعاناة البعض الصامد منها – في عالم الصحافة الورقية تحديداً – من ارتباكٍ قِيَميّ وأخلاقي ما بعده ارتباك.. ومع ذوبان بعض الوسائل الإعلامية الإلكترونية الحديثة في عالم التواصل الإجتماعي بصورة عشوائية، بعيداً عن أي شكل من أشكال الوعي الذي يفترض أن يكون قريناً لكل اتجاهات الحرّية في التفكير والتعبير، يمكن القول أن بعض الإعلام اللبناني الحديث تحوّل إلى مجرّد ثرثرة فوضويّة تصحّ معها تسميته إعلام “القيل والقال”!

index

ولعلّ أخطر ما وقع في شركه هذا البعض من وسائل الإعلام اللبنانية في السنوات القليلة الأخيرة، هو انعدام الوزن في سبل التعامل مع وسائل التواصل الإجتماعي أو بالأحرى وسائل التنصّت والثرثرة الإجتماعية هذه! فبدل أن تطوّر وسائل الإعلام أساليب مخاطبتها للرأي العام فتقدّم لروّاد التواصل الإفتراضي مادّة غنيّة بمضامينها تخدم رسالتها الهادفة لتصويب الرأي العام وتوسيع آفاق الوعي والمعرفة والثقافه لمكوّناته، وجدنا هذه الوسائل تنساق ببلاهة إلى حضيض السوقيّة شكلاً ومضموناً، لا لشيء سوى لتجد لها مكاناً على خارطة هذا التواصل الطارئ بطابعه الإفتراضي. وهنا بدا التنافس على أشدّه، أولاً على قاعدة من يجذب النسبة الأكبر من القرّاء على الشبكة العنكبوتيّة، وثانياً من يتبع نَفَسَ قرّائه وفق شعار “الجمهور عايز كده”. وهنا – استطراداً – وقعت المرأة اللبنانية مجدداً، كما عند كل منعطف تاريخي هام أو مرحلة انتقالية صعبة، ضحيّة الجهل والتخلّف بل التحجّر في قماقم الإيحاءات والشائعات الجنسية المغرضة!

index2

أما اليوم، ومع اقتراب موعد الإنتخابات النيابية، وفي ظل التسييس الطاغي على مختلف وسائل الإعلام، القديمة منها والحديثة، وفي ظل الإنحدار المتزايد في مستوى التخاطب الإعلامي وتحوّل بعض الإعلام إلى باباراتزي يلاحق “نجوم” السياسة اللبنانية وزوجاتهم وبناتهم وحلقاتهم العائلية والإجتماعية الضيّقة، والمشرّعة أبوابها عبر مواقع التواصل دون حدّ أدنى من “الحرمة أو الخصوصية، فيسهل التنبّؤ بأن اللبنانيين قد يشهدون خلال الأشهر القليلة الفاصلة عن الاستحقاق النيابي، أبشع بل أسقط أنواع الحروب الإعلامية السياسية!

فيا أيها اللبنانيين تنبّهوا، ولا تقعوا ضحيّة كل خبر-شائعة يزعزع قناعاتكم.. ولا تبنوا في أذهانكم بيوتاً من زجاج افتراضي، لئلا يسهل كسرها عند أول فرصة او استحقاق، فتسقطون ضحايا تضليل ممنهج يقترفه بعض الإعلام، عن سابق تصوّر وتصميم!

غنوة غازي – “الأنباء”