الملاكمان ترامب وبوتين بعد اليابان وإيران

د. قصي الحسين

اختار ترامب اليابان، واختار بوتين إيران، ونزلا معاً، يكيلان الضربات الوهمية للشعوب الواهمة بالحرية. في قبضة ترامب ثلاث حاملات طائرات: “نيميتز” و”ثيودور روزفلت” و”رونالد ريغن”. وحمولتها 17 زورقاً و200 طائرة ونحو ألف جندي. ويقول الجنرال ماكماستر، وهو مستشار الأمن القومي في الإدارة الأميركية، إن حماية الرئيس هو اجراء روتيني.

وأضاف ترامب إلى برنامج زيارته، إمعاناً في إظهار “القوة المجهولية” زيارة قاعدة “همفري” حيث يرابط آلاف الجنود الأميركيين. وحيث تمول سيول عاصمة كوريا الجنوبية هذه القاعدة، ولو أنه تحاشى زيارة المنطقة المنـزوعة السلاح بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، حفاظاً على سياسة عدم الانزلاق للاستفزاز في سياق متوتر ومشدود. فأبرز بذلك الشراكة العسكرية مع كوريا الجنوبية والمهادنة السياسية مع كوريا الشمالية.

وملف ترامب الموشوم على “ذراعه المعدنية” وربما المشؤوم أيضاً: المسار النووي والباليستي الكوري الشمالي، يجول به على اليابان وكوريا الجنوبية والصين وفيتنام والفيليبين. طالباً تعزيز الإجماع الدولي خلفه لنـزع السلاح النووي في كوريا الشمالية، وتأميناً لحرية الحركة التجارية في المحيطين الهادئ والهندي، دون لي ذراع الصين في ذلك، لأنها المعول عليها في حمل بيونغ يانغ على قدر من التنازل في الملفين: النووي والباليستي.

ويقول “مايكل أوسلن” وهو خبير في معهد “هوفر” إن ترامب في جولته على آسيا، إنما ينتهج “استراتيجية أوباما المضافة”: استعراض القوة وتشديد العقوبات والدعوة إلى نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية. ورغم تأييد الصين لدعوة ترامب هذه، إلاّ أنها تخشى إخفاق هذه المساعي، والوصول إلى شفير المحظور إن صدفة أو عمداً. فليس في العالم من يؤيد الحرب، حتّى الأميركيون أنفسهم، وحتى ترامب نفسه. فهو ملاكم يهول بذراعه المعدنية ذات القوة القوية، أكثر مما يريد أن يوجه الضربة القاضية.

ويلوح ترامب بذراعه وتغريداته مهولاً، على هدي من انفعالاته الشعبوية، ويستنتج المحللون أن نسبة دعم الأميركيين عملاً عسكرياً ضد كوريا الشمالية لا تتجاوز 25 % منهم. أمّا الديموقراطيون فيطلبون من الرئيس العودة إلى الكونغرس. غير أن عضو الكونغرس “بوب كوركر” وهو من الحزب الجمهوري ورئيس لجنة الشؤون الخارجية، فيقول بسلطات الرئيس في إعلان الحرب، ولو أن واشنطن تسعى إلى إحكام طوق العقوبات الاقتصادية وتعزيز الانتشار الاستراتيجي في “سيول” عاصمة كوريا الجنوبية، وربما أدرجت بيونغ يانغ بعد ذلك في لائحة رعاة الإرهاب في العالم. وبذلك يكون ترامب ملاكماً بالقوة لا بالفعل.

بوتين - ترامب

في المقابل، نجد في قبضة بوتين، وهو يقف في إيران، ثلاثة ملفات ساخنة حتّى لا أقول مشتعلة حملها من الاقليم إلى إيران كما قلت: الملف السوري والملف الإسرائيلي، والملف التركي. في الملف السوري، جعل النظام والمعارضة نسيج بعضهما البعض من الشعوب السورية، تلتقي في سوتشي التي ألغيت دون أن تعرف بعضها البعض ودون أن تتأثر فيما بينها. فهذا الشعوب بنظر بوتين كلها نظام، وهي نفسها كلها معارضة. والبلاد السورية مناطق نظام ومناطق آمنة. وعلى النازحين أن يحطوا عن أكتافهم أثقال النـزوح وآلامه، حيث يجدون راحتهم، إن في مناطق النظام أو في المناطق الآمنة.

وفي الملف الإسرائيلي، إن إسرائيل تسامحت ببقاء بشار الأسد. غير أنها تنظر بعين الحذر إلى الوجود الإيراني على أراضي شعوب سورية. وأن إسرائيل إذ تقر واقعياً لا رسمياً بدور إيران في سورية، مما يجعلها أكبر مستثمر فيها بعد انتهاء الحرب، غير أنها ترفض قطعاً اقتراب إيران من الجولان. وعلى بوتين أن يشم ذراعه بنصائح ليبرمان وزير خارجية إسرائيل، التي لا تسمح بذلك مطلقاً.

وفي الملف التركي، يقول بوتين بإقصاء أنقرة. غير أن ذراعه موشومة بالكلية بالاتفاقيات التي عقدت بين موسكو وأنقرة، وبالعلاقات القوية الروسية – التركية والتي تدور على مستوى عالٍ. وبالتعاون بين الطرفين في مجال الطاقة النووية. خصوصاً وقد وشمت ذراعه بإزائها أيضاً، بان موسكو تنظر بريبة إلى الدعم التركي المستمر لمنظمة “مجلس” الارهابية والترويج إلى القومية التركية في دول الفضاء الروسي وفي عدد من الأقاليم الروسية. والترويج لأفكار قومية تركية بدءاً من “الذئب الرمادي” بحسب أسطورة (الخلق عند الشعب التركي) ووصولاً إلى أردوغان العظيم.

غير أن بوتين بالتلويح بالمصالح آناً والمآخذ آناً آخر مع تركيا وهو يقف في إيران، إنما يوحي بعدم سلوك مسار التأزيم في العلاقات مع تركيا، لأن روسيا اليوم مع إقامة نظام من الضوابط والتوازنات في العلاقات الدولية، ولو أنه يلوح بقوة ذراعه المعدنية في سورية وفي أوكرانيا وفي إيران أمام الذراع الأميركية في كوريا والصين والفيتنام واليابان.

ترامب، ملاكماً، يقف ليقول بعد أيام في وجه بوتين، أن كل الدول المسؤولة وبينها الصين وروسيا عليها توحيد قواها لعزل النظام الوحشي في كوريا الشمالية وسيطلب من بكين قطع روابطها المالية مع “بيونغ يانغ” والتـزام عقوبات مجلس الأمن. وسينتـزع قطعة كبيرة من السجاد الأحمر الذي بسطه الرئيس الصيني له، ليولح به بيد لبوتين في إيران، ويردد وهو يسير مع نظيره الصيني: “النتائج إيجابية ومهمة”، “إننا نمضي وقتاً رائعاً”، أمّا في اليد ألأخرى فيلوح بـ 20 اتفاقاً تجارياً قيمتها 9 بلايين دولار وبعقود قيمتها تتجاوز 250 بليون دولار.

أمّا بوتين ملاكماً، فيلوح من إيران بعدم دعم بلاده فرض حظر كامل على كوريا الشمالية. وأن الحديث عن تقويض أحادية القطبية، بات يحمل سمات تتجاوز التركيز على أخطاء السياسة الأميركية التي أدت إلى اشتعال الحرائق العديد في العالم وأنه لا بد من تحذير سياسة المحاور الاقتصادية والسياسية في عالم “ما بعد الغرب”. ورغم ذلك فمستشار الكرملين يوري أوشاكوف يذكر: “بوتين وترامب سيكونان في غرفة واحدة”.

*أستاذ في الجامعة اللبنانية

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث