في هذه الحالة حصرًا… لا مكان للنأي بالنفس!

صحيحٌ أن مفهوم “النأي بالنفس” كرّسه البيان الحكومي الأخير من دون أن يكون وليدَها، وصحيحٌ أنّ هذا النأي أصبح بإجماعٍ حكومي بمثابة ثابتةٍ “مقدّسة” لا يمكن المسُّ فيها حفاظًا على الوحدة الوطنية وإبعاد لبنان من حرائق المنطقة لا سيما الساحتين السورية واليمنية، بيد أنّ هذا المبدأ لا يمكن إلا أن يسقط عندما يتعلق الأمر بالقضيّة المركزية: القدس.

أثبتت الأيام القليلة الماضية أن لا مكانَ للنأي بالنفس في القاموس اللبناني، في أعقاب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل. لم يكن منتظرًا من السياسيين اللبنانيين بدءًا برأس الهرم وصولًا الى أصغر مسؤول في أي حزبٍ أن يقفوا مكتوفي الأيدي وأن يكتفوا بالصلاة الداخلية من أجل القدس. أخرج الجميع ما في جعبهم من مواقف منددة بالقرار الأميركي، مطالبين بالوحدة العربية. قولًا سقط النأي بالنفس، أما فعلًا فيفرضُ واقعٌ لا مناص منه نفسَه وفحواه أنّ تحرير القدس ليس ضمن “الأولويات العربية” وبالتالي حكمًا ليس في الأجندة اللبنانية، هذا إن لم يكن طيّ الماضي بعدما بات هناك تسليمٌ بالتخلّي عنها منذ ما يلامس ثمانين عامًا.

غداة التظاهرة في محيط السفارة الأميركية في عوكر والتي أجمع اللبنانيون على أنها انحرفت عن هدفها الرئيس لتنفذ منه الى التخريب وهو ما لا يرتضيه أحدٌ استنادًا الى تجارب لبنانية مريرة يبدو أن الشعب لم يتعظ منها، وتزامنًا تظاهرة أخرى في الضاحية الجنوبية، يؤكد مصدرٌ نيابي لـ”الأنباء” أن “في حالة القدس لا يعود مبررًا استخدام تعبير “النأي بالنفس” خصوصًا أنها قضيّة العرب الأولى، وبالتالي لا يمكن النأي عن كل ما تقترفه يدا العدو في أرضٍ عربية هي مهد الأديان والحضارات”.

هي القدسُ التي يندرج أيُّ نأيٍ لبنانيٍّ عنها في خانة النأي عن العروبة والهوية والوطنية. هي القدسُ التي لم يفكّر زعيمٌ واحدٌ في النأي عن نصرتها في وجه المحتلّ. هي القدس التي يبدو جليًا في الحالة اللبنانية أنّ أي دعمٍ لقضيتها وهويتها لا يُعدُّ خرقًا لمفهوم النأي بالنفس طالما أنّ هذا النأي بالذات “لا جمرك عليه” وطالما أنه يبقى في إطار التنديد والقلق والتظاهر داخل أسوار الوطن!

رامي قطار- “الأنباء”