كيف يمكن استثمار قرار ترامب لصالح الموقف الفلسطيني؟

أشعل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الغضب الفلسطيني والعالمي، فغصت شوارع العديد من عواصم الدول العربية والإسلامية بالتظاهرات، وأشكال مختلفة من الوقفات التضامنية والاعتصامات، المنددة بإعلان القدس عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب اليها. هذه الخطوة التي وعد بها ترامب مؤيديه بتنفيذها خلال حملته الانتخابية، تتباين المواقف الدولية والقراءات الدبلوماسية حول مخاطرها، فقرار ترامب لا يهدد الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل يشكل خطراً كبيراً على مصير التسوية السلمية، التي تقودها بلاده منذ مؤتمر جنيف في تسعينيات القرن الماضي، والتي تتوقف أمام ثلاث نقاط أساسية تم إرجاؤها إلى مفاوضات مباشرة بعد اتفاق أوسلوا، ولم يتم الاتفاق عليها بعد، وهي: (مستقبل القدس، مصير اللاجئين في الشتات، حدود الدولتين وفق خط الرابع من حزيران 1967)

فخطوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي اعتبرتها مصادر دبلوماسية عربية متابعة لملف المفاوضات الفلسطينية، بأنها ناتجة عن وضع أميركي داخلي، وأنها نتيجة لمشكلة ترامب مع (FBI)، ونتيجة ضغط اللوبي الصهيوني في أميركا، فإنها تنطوي على خطأً استراتيجي كبير وغباء سياسي خطير، كونها تراعي الشأن الداخلي الأميركي، وليس طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، والفلسطيني الإسرائيلي ببعديه الإسلامي والدولي.

ورأت المصادر أن “هذه الخطوة باعتبارها تقع في مواجهة مع القانون الدولي، وفي مواجهة مع الشرعية الدولية، استطاعت أن تستفز كل قوى العالم، بدءاً من الفلسطينيين والعرب والمسلمين وحتى الأوروبيين، فلا يوجد أي دولة في العالم يمكن أن تؤيد هذه الخطوة، وهنا يكمن غباء الإدارة الأميركية الحالية”.

فلسطين-خارطة-500x330

واعتبرت المصادر أن الإدارة الأميركية بنَت موقفها من منطلق الاستخفاف بالشأن الفلسطيني، على اعتبار أن الموقف الفلسطيني ضعيف وهش، وغير قادر على مقاومة الضغوط المالية والسياسية وكذلك الخطوة الأخيرة، وقالت “هذا التقدير يعتمد على منطق شكلي في فهم طبيعة المسألة الفلسطينية. فالإدارة الأميركية لا تفهم أن الانقسام الفلسطيني يزول  عند حدود قضية القدس والحدود واللاجئين، وأن المساس بأي من هذه القضايا يشكل عنصر جامع وموحد للموقف الفلسطيني الداخلي، فكيف اذا كانت المسألة مرتبطة بتهويد القدس وجعلها عاصمة إسرائيل، فهذا ما أطلق دينامية فلسطينية استولدت دينامية عربية كبيرة، والدينامية العربية استولدت دينامية إسلامية، ودينامية دولية”، ولذلك كان رد الفعل الشعبي على امتداد العالم عنصر مفاجئ بالنسبة لواشنطن وغير متوقع، “فصلابة الموقف الفلسطيني ليست مرتبطة بهشاشة وضعه الداخلي”.

كما أن الإدارة الأميركية، برأي المصادر، لها تقدير خاطئ في قراءة مواقف الدول العربية، “فإذا كانت تستطيع أن تأخذ الموقف الذي تريده من كل دولة عربية على حدا، فإن الإجماع العربي لا يمكن أن يكون إلاّ تحت السقف الفلسطيني، فالإجماع العربي دائما خلف السقف الفلسطيني ومعزز له، ولذلك فالعرب يجتمعون حول القدس ولا يمكنهم خذل فلسطين سياسياً”.

على المستوى العربي أيضاً، ترى المصادر الدبلوماسية ان “هذا الموقف أدى لرد فعل من شأنه إعادة إحياء مبادرة السلام العربية وتفعيلها، عبر لجانها المختصة وإعادة طرحها على الطاولة، باعتبارها الخطة الرئيسية في هذا المجال، وإعادة الضغط على أميركا لاعتمادها، وهذا ما يمكن أن تسفر عنه اجتماعات وزراء خارجية الدول العربية من خارطة طريق تخرج الجميع من النفق”.

كما يمكن للدول العربية بقيادة السعودية ومصر، أن تستفيد من هذا الخطأ الأميركي، بأن تطور آليات الضغط على الإدارة الأميركية وعلى حكومة إسرائيل، من أجل فرض قيود على موضوع الاستيطان، وعلى موضوع تهويد مدينة القدس، باعتبارها معركة مفتوحة، تؤدي إلى درجة من التوازن لصالح العرب، في مساعيهم على مختلف ساحات الصراع في الشرق الأوسط سواء في اليمن أو في سوريا أو في العراق.

ترامب

من جهة أخرى، رأت المصادر “أن أخطاء الإدارة الأميركية المكشوفة في إدارة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لا سيما إصدار قرار من هذا الطراز سمح لتباين الأميركي – الأوروبي من الظهور، فالموقف الأوروبي نجح في التعبير عن نفسه بعيدا عن الضغوط الأميركية التي تؤدي في معظم الأحيان إلى كبت الموقف الأوروبي، ما يحول دون تميزه بضغط هائل من اللوبي اليهودي، ومن الإدارة الأميركية نفسها”، إلا أن الموقف الأخير بين أن الموقف الأوروبي يتقدم تقدماً جيداً، ويبدو أنه متطابق إلى حد ما، وأقرب ما يكون إلى الموقف الفلسطيني.

إذا كانت الإدارة الأميركية من خلال هذا الموقف، خدمت الجانب الفلسطيني بأن جعلته مرة أخرى على الأجندة الدولية، وجعلت التضامن العالمي يجهر في تحصين قوة الموقف التفاوضي الفلسطيني، يمكن قراءة الحدث من زاوية كيف يمكن للفلسطيني والعربي أن يستثمران الخطأ الأميركي استثمارا إيجابياً وليس استثمارا سلبياً، لأن المسألة هنا لا تعني خوض صراع مع الإدارة الأميركية، بقدر ما تعني كيف يمكن تحقيق مكاسب على المسرح الدولي والدبلوماسي، من الإدارة الأميركية.

وأوضحت المصادر قائلة: “أن تحصين الموقف التفاوضي الفلسطيني، ووضعه بثقل على مسرح الشرق الأوسط وعلى المسرح الدولي، هو الهدف المباشر الذي يجب على القوى الفلسطينية والعربية والدولية أن تسير فيه والضغط على الإدارة الأميركية من أجل تغيير موقفها، وكذلك موقف الحكومة الإسرائيلية، وفرض تسوية مقبولة للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية والإسلامية على قاعدة حل الدولتين والقرارات الدولية”. لقد وضع ترامب قادة المنطقة أمام فرصة لإعادة تعريف ما سمي بصفقة القرن، وإعطائها المفهوم المختلف عن المفهوم الذي تريده الإدارة الأميركية واللوبي الصهيوني في واشنطن والذي تريده أيضا حكومة نتنياهو.

المصادر رأت أن “أخطر ما في هذه القضية أن نتنياهو سيستقيد من هذا القرار لإخراج أكثر من 215 ألف فلسطيني، من ضواحي القدس ومن خارج النطاق البلدي المقدسي، وسحب هوياتهم، وبناء المستوطنة الجديدة على أرض مطار قلنديا لمئة ألف يهودي، الهدف الرئيسي هو التغيير الديموغرافي في القدس لتخفيض نسبة الفلسطينيين من 36% الى ما دون 12%”.

لذلك يمكن القول رب ضارة نافعة، ويمكن القول هنا أيضاً كيف تستثمر في الأخطاء وليس كيف تفتح معارك مع الإدارة الأميركية غير ذي جدوى، علينا التفكير بهدوء وبخطة عمل مختلفة يمكن أن تعطي الموقف الفلسطيني فرصة أفضل من السابق. فإذا ذهبت الحالة الفلسطينية الى العنف، فهذا يفيد وينقذ نتنياهو من ردود الفعل السياسية العربية والدولية، لأن نتنياهو يسعى فعلا للعودة الى مربع العنف، من خلال الضرب على غزة، ومن خلال الاعتقالات في الضفة الغربية، وتحويل المسألة إلى حرب مفتوحة (على الإرهاب)، لذلك فإن أي دعوة لتحويل الصراع الى صراع عنيف هو إجهاض للتراكم السياسي الفلسطيني الذي تم إحداثه. كما أن هذا الحدث لا يستوجب التوجه به أيضاً نحو انتفاضة ثالثة كما دعا البعض، حيث أن ما يجري هو رد فعل شعبي وفصائلي وتنظيمي انطلق داخل فلسطين وخارجها، فيما الانتفاضة تنطلق من خلال انفجار شعبي مستقل عن الفصائل، فضلاً عن أن حركة حماس لا تريد هي أيضاً انتفاضة لأنها تضعها في مأزق يحرجها إحراجاً كبيراً، لذلك لا داعي لهذا الخطاب التصعيدي.

مرة جديدة تبرهن القضية الفلسطينية بأنها منطلق الديناميات الموحدة والجامعة للطاقات الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية، والتي يمكن استثمارها داخلياً، على مختلف الساحات، لاسيما اللبنانية، خاصة بعد أن ظهر لبنان مرة جديدة في موقف سياسي موحد خلف المسألة الفلسطينية، بعيدا عن طرق التعبير المختلفة التي تفرّد فيها كل طرف، فلم يخرج اللبنانيون كغيرهم في دول العالم في تظاهرة مشتركة جامعة، أو في وقفة تضامنية موحدة، لا بل لجأ كل فريق إلى جمهوره يتضامن معه منعزلاً عن الآخرين بشعاراته الخاصة المتناقضة عن الآخر، وإن بقيت تحت سقف الموقف الفلسطيني.

*فوزي أبو ذياب- “الأنباء”