هل إعلان ترامب تهويد القدس لتمرير تقسيمها والتطبيع؟/ بقلم فؤاد طربيه

أطلق وزير الدعاية الألماني ومستشار أدولف هتلر، يوزف غوبلز، نظرية ”التأطير” وإستخدمها لتظهير هتلر زوراً على أنه المنقذ الوحيد للألمانيين ولبلاده. اعتمد غوبلز في نظريته على أن يقوم الحكام بطرح خيارات سياسية أو إجتماعية عدة، يكون أحلاها مرّ، وأمرّها أكثر خطورة، فيُروَّجْ لها على أنها الخيارات الوحيدة المتاحة لخلاص الشعوب من المحن والمآزق ويكون هدف الحاكم توجيه الرأي العام لقبول الخيار الذي يبتغيه. وسرعان ما رسّخت نظريته مفهوم “البروباجندا السياسية” وأصبحت وسيلة تُستخدم في تمرير سياسات الدول من خلال الإعلام للسيطرة على عقول الراي العام لدى المجتمعات ﺍﻟﻤﻨﻬﻜﺔ ﺑﺎﻟﺠﻬﻞ ﻭﺇﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻟﻮﻋﻲ كما للسيطرة على عقول بعض حكامها وترهيبهم ثم إخضاعهم..
تلقّف الغربيون النظرية وأدخلوها كمواد أساسية في جامعاتهم، حيث درسَ العديد من الصهاينة، الذين يبدو أنهم يطبقونها بالتنسيق وبمساعدة أمهم الحنون الولايات المتحدة الأميركية…

استخدمت أميركا نظرية التأطير قبل حربها على العراق عام ٢٠٠٣، فروجت بكثافة لحيازة نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل وانها تشكل خطر على جيرانها في المنطقة، وذلك رغم نفي مسؤولي فرق التفتيش الدولي الذين استمرت مهمتهم طيلة عشر سنوات بعد حرب الخليج الأولى! فظهّرت أسلحة الدمار الشامل الخيار الأمرّ والشماعة التي جعلت المجتمع العربي والدولي يدعم غزوها للعراق وإسقاط صدام!

عام ٢٠٠٦ أطلقت كوندوليزا رايس مشروع الشرق الاوسط الجديد من تل أبيب وصرحت أن تحقيقه يستوجب الفوضى الخلاقة، فتولت بعد عدة سنوات خليفتها في وزارة الخارجية هيلاري كلينتون وبإشراف الرئيس أوباما تطبيق خطة إشعال الفتن والحروب الطائفية في المنطقة عبر المولود المعجزة ”الدولة الاسلامية -داعش”! فصورت داعش كقوة عظمى يستلزم عقود من الزمن لهزيمتها، ثم لعبت دور المخرج الهوليودي في عمليات الكرّ والفرّ بين “داعش” والنظام السوري، فيحتل النظام مراكز لداعش ثم يهزم نفسه لصالحها بالتراضي تاركاً وراءه مستودعات الاسلحة اللازمة لها لاستكمال السيناريو المكتوب، وبذلك جعلت من نظام الاسدالحامي لحدود اسرائيل، حاجة دولية ملحّة لمحاربة ”داعش” ومثيلاتها. وبالتزامن وبذات الذريعة قبلت الادارة الاميركية بشرعنة جيوش الحشد الشعبي العراقي العاملة تحت أمرة ايران، وما رافقهما من صفقات اسلحة وإنعاش للاقتصاد الأميركي فتم تدمير الحجر والبشر في سوريا والعراق وفرض المشرفون على المسرحية نفوذهم على المناطق حيث تتواجد آبار النفط والغاز وتقاسموها، وما سعيهم اليوم لانهاء حروب ”الشعوب السورية” الا لتقاسم زبدة إعادة الإعمار. وكما يبدو أن لمحور الممانعة – فرع لبنان على إختلاف مشاربه و لمن يتريث ويطنش لصالحه حصة منها!

أما أمثلة تضليل الرأي العام والتأطير فتكثر من تدمير ليبيا والسيطرة على ثرواتها وقتل معمر القذافي إلي الحرب الاميركية على الارهاب في أفغنستان وتجارة الجنرلات الأميركيين بالمخدرات، حيث يُقال انها تتم بعلم ولصالح إدارتهم، ثم قتل بن لادن بعدما أدى مهمته وانتقال إبنه البكر الي إيران بانتظار دوره اللاحق…

بعد اتفاقية أوسلو ١٩٩٣ وتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، رفض الرئيس ياسر عرفات طلب سلطات الاحتلال تقسيم القدس وإعتبار الشطر الغربي المحتل منذ عام ١٩٤٨ عاصمة لكيانها، والشطر الشرقي حيث المسجد الأقصى الذي أحتلته خلال نكبة ١٩٦٧، عاصمة لفلسطين. وحصّن عرفات موقفه الرافض بالبند الخامس الذي ينص على أن موضوع القدس واللاجئون والمستوطنات يبت به خلال المفاوضات اللاحقة واعلان حلّ الدولتين..
فهل جاء إعلان الرئيس ترامب تنفيذ إدارته لقرار الكونغرس الاميركي الصادر منذ عام ١٩٩٥ بنقل السفارة الي القدس وإعلانها عاصمة لإسرائيل، وهو الخيار الأمرّ طبقاً لنظرية غوبلز، من أجل إعادة طرح وتمرير تقسيم القدس الي شطرين ودعماً لتحقيق مساعي صهره جاريد كوشنر، المُنسَّقْ مسبقاً مع بعض الحكام العرب، بتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، ولكي يسهل على العرب لعب دورهم المسرحّي بإختيار أحلى الأمرّين، أي القبول بالتقسيم وبالتطبيع وبذلك يحافظون على ماء وجوههم تجاه شعوبهم، ثم يضغطون على السلطة الفلسطينة لكي توافق، وهم مموليها الرئيسيّين لا بل الوحيدين؟

أما في ظل الموقف العربي الخجول الذي صدر أمس عن الجامعة العربية، والذي لا يتميّز بشيء عن أي بيان صدر عن الدول اللاعربية، لن ينقذ القدس الا أهلها! والمطلوب موقف حازم من قبل السلطة الفلسطينية، كالعودة عن إنفاق أوسلو الذي نكسته الولايات المتحدة وهي الراعية له، مدعوماً بسلاح أطفال فلسطين الذي سيبقى أقوى وأفعل من أسلحة الأمة ”المليارية” مجتمعة، وما إنتفاضتَي الحجارة إلا خير إثبات على صحة ذلك!

(الأنباء)