ما أحوجنا اليك

د. صلاح ابو الحسن

مضى على غيابك أربعون عاماً ومضى على ولادتك مائة عام، ومختارتك لم تغب عنها ابدا الجماهير الوفية، لمبادئك والتي لا زالت على العهد.. فنحن نراك كل يوم في تراثك الفكري والثقافي والفلسفي والادبي.. ونحن لا زلنا نغرف من “معجنك” الذي لا ينضب.. وخميرتك تجعل من معينك مليء دائما وابدا بل ويزداد، فتراثك ليس له نهاية.. وعندما نقرأك نعتقد اننا فهمناك.. ثم نقرأك ثانية وثالثة وعاشرة فنكتشف كأننا نقرأ للمرة الأولى.. فلا يمكن ان نشبع مهما قرأناك.. نحن منك تعلمنا القراءة وكنت تقول لنا: أليس غريبا ان يشعر الإنسان بالجوع في معدته ولا يشعر بالجوع في رأسه..
وكان يقول لنا: لا أريد حزبيين يضعون نظارات على عيونهم – يقصد النظارات التي تُستعمل لبعض الحيوانات – فلا يرون إلا امامهم وتمنعهم من رؤية ما يدور حولهم.. وهو القائل: “اذا كان القصد من الأيديولوجيات والعقائد السياسية تقويض اخلاق الانسان.. فلا كانت الأيديولوجيات ولا كانت العقائد لأن الانسان هو الأساس وهو الغاية.. ان الأنظمة لا تصطلح الا بصلاح الإنسان، لأن الإنسان هو قطب الوجود الاجتماعي ورحاه”.
مع تأسيسنا جمعية الكشاف كنا نقيم مخيماً كشفياً في “ضهر الشكارة” في بطمة وكان يزورنا المعلم يوميا تقريبا ويشاركنا في الفطور ويتحدت في السياسة وفي اهمية العمل الإجتماعي وضرورة “العمل المباشر” مع الفلاحين والمزارعين وكنا “بناء لتوجيهاته” نساعد في قطاف التفاح والزيتون، وكانت من أولوياته مساعدة البلديات بتنظيف الأقنية قبل حلول فصل الشتاء.. واتذكر مساهمته معنا بيوم عمل في بناء مدرسة كفرفاقود الرسمية وكانت المهمة حمل الحجر “المقصوب” للمعمرجي”..

بهذه الروحية كان يتم العمل الإجتماعي في منظمة الكشاف.. كان هم “المعلم” بناء شباب او جيل حزبي يعيش بين الناس ومعهم لا ان يكون مسؤولا حزبيا يعيش في أبراج “زائفة” بعيدا عن هموم الفلاحين والمزارعين الذين هم اهلنا ورفاقنا.. وهذا ما دفعنا لتوسيع النشاطات على المناطق إضافة الى المخيمات المركزية.. “نريد نخبة تستطيع ان تقول للأجيال الطالعة: قمت بواجبي”.

ولذلك كان يقول: “ان حامل الرسالة الحزبية يجب أن يكون في مستوى الرسالة أولا”. ويتابع: “حيث لا توجد حريات سياسية ونظام ديمقراطي، لا توجد في المعنى الصحيح حياة سياسية.. والعالم العربي في شقيه التقدمي وغير التقدمي وفي شقه التقليدي، هو سجن كبير للإنسان وللأفكار ولمسارات التطور”.

المعلم كمال جنبلاط
ولا بد من الإشارة الى “ندوة الأربعاء” التي استمرت لأكثر من سنتين تحت عنوان “الجدلية وأصولها اليونانية” ونعترف انه كان لهذه الندوات الفضل الكبير في نمو وتطوير ثقافتنا الحزبية والفكرية والسياسية.. كانت مدرسة حزبية بكل معنى الكلمة وتمت ترقيتنا الى “عضو مرشد” انا وانور الفطايري وغازي منصور من روحية “ندوة الأربعاء” والإمتحان أجراه لنا “المعلم” وبحضور الرفيق خليل أحمد خليل بصفته مفوض التربية في الحزب. كانت يومها لـ”المرشد” معنى خاص ومميز بنظر “المعلم”..

حسنا فعلت وغادرتنا في الوقت المناسب.. ان تكون شهيدا افضل من ان تكون “شاهدا” على الإنحطاط الفكري والثقافي والأخلاقي والبيئي.. أما عن الإنحطاط السياسي والنيابي والتشريعي فيطول الحديث.. اما الحريات بأقانيمها الثلاثة السياسية والإقتصادية والإجتماعية.. فحّدث ولا حرج.. وكأننا مقبلون على “العسكرة” وبدأت تباشير عدوى الأنظمة الشمولية المخابراتية والديكتاتورية العربية تغزو لبنان.. اما البذاءة والإسفاف والإنحطاط في الحوارات السياسية فيصح فيها القول: عين لا ترى.. قلبا لا يوجع.. نعم كثُر هم السياسيون “المتخلفون” في لبنان فيما رجالات الدولة أقل من أصابع اليد الواحدة.. كنت تقول كان موريس الجميل (مسؤول في الكتائب) يقول لنا: “هؤلاء يعيشون بضعة اجيال الى الوراء، هم متخلفون عقليا”.

كان حلمك ان تنقل الديمقراطية الى الأنظمة العربية.. فبتنا نخشى نقل عدواهم الينا.. كنت تقول: “قيام ديمقراطية في لبنان هو بحد ذاته استقطاب للأنظمة العربية ودعوة الى تطويرها، فليسامحنا اخواننا جميعهم اذا اردنا ان نسبقهم في هذا المجال”.. “لرب يوم تصبح فيه ثورة لبنان العربية التقدمية العلمانية التحررية، هي ثورة كل العرب”..

اما بعد الإنتفاضات الشعبية العربية التي تحولت فجأة الى ارهاب مبرمج آليا وعن بعد.. يبقى السؤال الأول، كيف ظهر “داعش” وأشباهه فجأة في العراق وسوريا وفي العالمين العربي والغربي.. فسقطت الموصل – وما ادراك ما الموصل – في اقل من اسبوع في يد “داعش”، واستمرت انتصاراتها فسقطت اكثر من 80 بالمائة من سوريا بيدهها خلال اربع سنوات.. والسؤال الثاني، كيف سقطت “داعش”، بقدرة قادر والتي أرهبت وهزّت القارات الخمس، في اقل من شهرين، والسؤال الثالث، وربما الأهم، كيف وأين تبخر مئات الآلاف الجرارة من تنظيم داعش وأخواته.. ومن يحميهم ويحتضنهم؟؟.. وربما تكون الإجابة الأصدق، ان من انتجه هو من خبّأه ليكون غب الطلب عند الحاجة.. وحتما سيظهر باسم آخر..

ألم يكن تنظبم “القاعدة” انتاج اميركى لمحاربة الإلحاد السوفياتي؟؟ ألم يكن فتح الإسلام انتاج سوري للإنتقام من لبنان الذي أخرج الوصاية السورية من لبنان؟؟ ألم يكن الحشد الشعبي للإتتقام الإيراني من صدّام حسين.. الم يكن الحوثي صناعة ايرانية للإنتقام من الخليج العربي الذي يحلمون الى تاحويله الى خليج فارسي؟؟ ألم يكن الهدف من اغتيال رفيق الحريري تسعير الحرب السنية – الشيعية.. وتحقيق الحلم الفارسي بتصدير الثورة واقامة الهلال الشيعي؟

نحن تعلمنا منك ان “لا وجود للسلام مع النظام الثوري”. اليس واضحا ان لبنان وسوريا والعراق واليمن والسعودية يدفعون ثمن إصرار ايران على تحقيق الهلال الفارسي..

أليس “فائض القوة” الإيراني هو سبب رئيسي لعدم الإستقرار في منطقتنا؟؟ اللورد أكتون يقول: “القوة تفسد أصحابها، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة، والرجال العظام دائما ما يكونون رجالا سيئين”. ويقول ويليام بيت رئيس الوزراء البريطاني في القرن الثامن عشر: “إن القوة غير المحدودة تفسد عقول من يملكونها”. اليس فائض القوة في لبنان خير مثال على فلد السلطة؟؟

تقول أغنية من الريف الأميركي للممثل جف بريدجز: “مضحك كيف أن السقوط يبدو مثل الطيران. لفترة وجيزة”.

ما حدث، هو ان “الاستعمار” الروسي – الايراني – التركي “الجديد” هو المنتصر في سوريا بعد ان قسّمها الى مستعمرات او “مقاطجيات” متناقضة.. والمهزوم هو الشعب. اما النظام فهو يعيش حالة الهذيان والغرور والأوهام بالنصر، وانتصاراته شبيهة بانتصارات هتلر الذي بعد انتحاره خجل الإلمان به ولم يعترف اي الماني بانه كان من مناصريه. وهذه هي حال المنتصر “الإلهي” في سوريا والعراق واليمن والكويت.. ولو كان انتصاركم الهي فما الحاجة للقيصر؟؟

من يتحدث عن ضرورة الحوار مع نظام الأسد لإعادة المليون ونصف سوري الى بلادهم، هو اما مهبول او يستهبل اللبنانيين.. وهؤلاء نذكرهم بما قاله الاسد للصحافيين الأجانب في تشرين الثاني 2016: “إن النسيج الاجتماعي السوري اليوم أفضل مما كان عليه قبل الحرب”. يعني افهموا يا أغبياء، ان إعادة اللاجئين إلى سوريا ممنوع.. طالما نظام الأسد على قيد الحياة..

لم يتتصر احد في سوريا.. فيما الخاسر الاول والاخير هو الشعب السوري ومدّعو الانتصار يذكروننا بانتصار الملك اليوناني بايروس، الذي هزم الرومان لكنه خسر خيرة ضباطه وجنوده..

وخسر موقع وتاريخ سوريا.. والمهزومون معه هم كل من سانده ووقف الى جانب الطغاة.. وحده “حزب الله” خسر حوالي ثلاثة آلاف قتيل.. وآلاف الجرحى.. قضوا في غير مكانهم.. بوصلتهم قادتهم شرقاً وشمالاً وليس جنوباً..

عقيدة الجيش اللبناني قبل الطائف كانت ان عدو لبنان هو سوريا شعبا ودولة.. دفعنا اثمانا كبيرة لتأكيد عروبة لبنان.. لتغيير عقيدة الجيش ان لا عدو لنا غير اسرائيل.. مع ما يُسمّى “الممانعة” عدنا الى “القديم” وبات العدو الشعب السوري.. ونسينا العدو الإسرائيلي..

ما هذه المصادفة ان جميع الذين ساهموا او شاركوا مباشرة او غير مباشرة باغتيال رفيق الحريري قد قتلهم النظام؟؟ من محمد سليمان، وحسن تركماني وجامع جامع وعماد مغنية وداود راجحة وآصف شوكت، وهشام بختيار الى رستم غزالة.. ولم يتبق الا اللواء بهجت سليمان..

“نيالك” يا “معلم” انك رحلت قبل عصر الإنحطاط والإنحدار والإسفاف وقبل كل هذا العهر السياسي.. صحيح اشتقنالك.. لكنك انت اخترت وقت الرحيل.. أشهد اني بلّغت!!..

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم د. صلاح ابو الحسن

“الدروز” الى أين؟؟!!

هل “هزة” حماة وحلب تُبدل قواعد اللعبة

الى رفاقنا وأهلنا وأصدقائنا في المتن الأعلى “تجربتكم مع هادي سبقت نيابته”

ترامب ومصير الإنتخابات

الناخب بين “الحاصل” و”المحصول”

قانون الإنتخاب “الإلغائي” و”شفافية” التزوير..

لا تصدّقوا وعود الإنتخابات

لا تستخفوا بالمعترضين

بعد الغوطة.. الإرهاب أرحم

ولماذا الإنتخابات؟!

انقلب باسيل على تفاهم مار مخايل.. وقضي الأمر!!

هكذا صهر يُعفي العهد من الأعداء

مصائر الديكتاتوريات متشابهة!

بين نداء الحريري ونداء “صاحب الزمان”!!

وأخيرا… “طفح الكيل”!

“كأنه حُكم على اللبنانيين أن يحكمهم دائما الجهال”..

رسالتي الى الرفيق تيمور

إنتصار “الأوهام” الكاذبة!

صنّاع الإرهاب هم صنّاع تقسيم سوريا!

حقيقة تؤلمك خير من كذبة ترضيك