قرار ترامب: خدمة لطهران وصفعة جديدة للعرب

ليست المرّة الأولى، التي تحشر الولايات المتحدة الاميركية حلفاءها العرب. ببساطة وبديهية، فإن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي لم يجرؤ قبله أي سيد للبيت الأبيض على اتخاذه، بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل. فهو موجّه ضد العرب، وليس ضد أي طرف آخر. بمعزل عن الأسباب الداخلية التي يستند إليها بعض التبريريين لموقف ترامب وقراره، والذي يعتبرون أن المشاكل التي تعصف في إدارة الرئيس الأميركي، ووضعه المترهل على رأس سلطته، هو الذي دفعه إلى اتخاذ هذا القرار، لعلّه يشيح الأنظار الداخلية عنه، ويضع في سجلّه ما يعتبره إنجازاً قد يرضي شعبيته التي تراجعت إلى أقل من عشرين في المئة.

حتى وإن صحّت هذه التبريرات التي تشكّل خلفية لقرار ترامب، فهذا يعني أن العذر أقبح من الذنب، وينطوي على مدى احتقار “الحليف لحليفه”، وحشره أمام بيئته وجمهوره وشعبه وإهانة موقعه ورمزيته، لصالح حساباته الداخلية. يلخّص هذا الإحتقار كيفية التعاطي الأميركي مع العرب، وتحويلهم إما إلى ميدان إختبارات، سياسية، عسكرية، مالية، واستراتيجية. والأخطر من ذلك، أن ترامب إتخذ قراره وصمم عليه، بعد جولة إتصالات مع رؤساء وملوك عرب، وضعهم فيها “تحت الامر الواقع” فيما لم تقتصر ردودهم على غير الإستنكار والإستهجان، والدعوة التقليدية لمجلس الجامعة العربية، للخروج ببيانات إستنكار، وشجب، اعتاد العرب كما الأميركيون على سماعها منذ 1948. والأنكى أن الجامعة العربية دعيت إلى إجتماع “طارئ” بعد ثلاثة أيام من إعلان ترامب لقراره. يبدو أن الإحتقار لا يقتصر على الأميركي وحده.

قبل القدس، كانت سوريا كلّها، بشمالها وشرقها، بجنوبها وعاصمتها. فتحت إيران خطّها الإستراتيجي من طهران إلى بيروت، مروراً بين القواعد العسكرية الأميركية، فيما العرب يتسلّحون بانتظار الفرج. وبعد سوريا تأتي اليمن، التي لم يتأخر ترامب بدعوة السعودية إلى فك حصارها عنه، ووقف الحرب عليه، بلا تحقيق أي نتائج، وبإستمرار القبضة الإيرانية عليه. أكثر من عرف كيفية الإستفادة من الاميركيين هم الإيرانيون، وأكثر من هزمه الأميركيون هم العرب بأموالهم.

قرار ترامب بشأن القدس، خدمة جديدة لطهران، وصفعة جديدة للعرب. ستخرج طهران لتستثمر بفلسطين مجدداً، هي لا تريد القدس، وإن أرادتها فهي على تماسها، لكن ما تريده من ذلك هو إطالة طريق “فيلق القدس” أكثر، بحيث لن يعود مقتصراً على الزبداني وحمص وحلب، وهو بلا شك وصل إلى ما بعد صنعاء، وما بعد بعد عدن. سيطول طريق القدس أكثر، وسيجول قاسم سليماني في ساحات جديدة، لتطويق ما أنتجه قرار ترامب، في كل الساحات العربية. فيما العرب سيتسلّحون بمزيد من الصبر والأسى.

ربيع سرجون – “الانباء”