هل تتجاوز “المصالحة” الفلسطينية و”صفقة القرن” الإشكاليات التي تواجهها؟

تمر المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية بلحظات دقيقة وحساسة بعد أن أرجأت عملية انتقال السلطة الى الشهر المقل، حيث تواجه المفاوضات مسألة الأمن والسيادة، بأبعادهما المختلفة العسكرية والسياسية، لا سيما بعد أن تراجعت الحكومة المصرية عن فتح معبر رفح، الذي كان ينتظره الفلسطينيون بفارغ الصبر، بعد الهجوم الانتحاري التي أوقعت مجزرة بالمصلين في مسجد الروضة في العريش شمال سيناء، خلال أداء صلاة الجمعة.

فالربط الأمني بين إعادة إغلاق معبر رفح ، وبين المجزة مسجد الروضة، يرتبط أيضا بتعسر المفاوضات حول هذا البند أيضاً، حيث كشفت المخابرات المصرية أن تنظيم داعش في سيناء تحديداً، هو عبارة عن تنظيمين اتحدا مع بعضهما، تنظيم مصري، وتنظيم فلسطيني، ينتميا إلى الأصولية الإسلامية الجهادية، والجزء الفلسطيني كان قد انشق عن حركة حماس، أو غادر حركة الجهاد أو من اعتنق التطرف.

لذلك، فإن الربط هنا ليس مجرد أمني سطحي، فإغلاق معبر رفح يدل عن عمق الإشكالية الأمنية والسياسية، وعمق الإشكالية التي تواجه الطرفيين المصري والفلسطيني، وكيف يمكن لهما أن يعالجا هذا النمط من الإرهاب وهذا النمط من القتل البشع الذي يجري بشكل يومي في سيناء والذي له امتداداته داخل قطاع غزة، لذلك فإن الحكومة المصرية لا تعف حركة حماس من مسؤولية ما بهذا الإطار من حيث الأساس.

على الرغم من وقوع مجزرة الروضة في سيناء بالتزامن مع اجتماعات المصالحة بين فتح وحماس برعاية القاهرة، وبعد كل تلك الروح الإيجابية التي رافقت الخطوات السابقة من استعدادات ومواقف غير مسبوقة من قيادة حماس الجديدة، وتحديداً يحيى السينوار، الذي قال: “سأدق رقبة من يعترض على المصالحة أو يقف بوجهها”، فإن الدخول في ثنايا المصالحة وكيفية معالجة الإشكال الأمني المتعلق بالسيادة الأمنية على القطاع، وعلاقة السيادة الأمنية بالجهاز العسكري الضخم لحركة حماس، الذي لا يزال يمسك بالسلطة داخل القطاع، لذلك فإن المصالحة ستراوح قليلاً إلى أن تجد حلولاً ما، وتلك الحلول ليست بعيدة عن الإشكالية السياسية، وكيف تنظر حماس لقوتها العسكرية في إطار نظام فلسطيني موحد، وما إذا كانت تريد البقاء على استقلاليتها وتكرار نموذج (حزب الله)، أم ستقبل بالرفض المطلق الذي يعلنه الرئيس ابومازن، الرافض لنموذج (جزب الله)، وهنا تأخذ المسألة موقعها في النقاش السياسي لا الأمني.

פיוס פלסטיני חמאס פתח
أمام هذه المعضلة، لا تبدو عملية تدوير الزوايا التي ترتكز عليها تسوية الخلافات الداخلية، تبعث الى التفاؤل بأن المصالحة ستجتاز هذه الحفرة الخطيرة وأنها لن تعيد حالة الانقسام إلى نقطة البداية، سيما وأن التعامل مع المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، على أنها جزء من عملية كبيرة على مستوى الإقليم، وتحت عنوان (صفقة القرن) فيها الكثير من المبالغة الإعلامية، فالمصالحة لها مستويين، المستوى الأول فلسطيني وعربي، وتحديداً مصري – سعودي، أما المستوى الدولي للمصالحة يقبل ولا يقرر، فيما يبقى الموقف الإسرائيلي الذي أسقط بيده عندما حسمت قيادة حركة حماس أمرها، وعندما فشلت كل الخيارات التي اتبعتها حكومة العدو لإبقاء الوضع الفلسطيني مجمداً، دون أي تطور يذكر.

لذلك، فإن الحديث عن عودة المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، والحديث عن إطلاق عملية سياسية جديدة، والحديث عن (صفقة القرن) كما يسميها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أو الحديث عن شخص ترامب نفسه وتصويره بأنه يحمل العصا السحرية، وأنه سوف ينجز هذه الصفقة التاريخية، وأنه سينهي الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والصراع العربي – الإسرائيلي، فإن إلقاء الضوء على إمكانية نجاح مثل هذه الصفقة والفرص المتاحة لها مع هذا الصراع المعقد، وبعيدا عن التجارب والخبرات المتراكمة في مدى جدية وقدرة الرئيس الأميركي تحقيق السلام دون موافقة اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، لا سيما في السنوات الأولى من عهده الأول، فإن التسريبات التي خرجت عن الإدارة الأميركية، وعن كل من المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، ومن الجانب الفلسطيني، وحسب ما تقوله الصحافة الإسرائيلية، التي اختصرت صفقة القرن بعبارة بسيطة: (حكم + أو دولة -)، أي بدون حدود وبدون سيادة كاملة، وضم جزء من أراضي المنطقة (C) في الضفة الغربية، دون تغيير الوقع الراهن بخصوص القدس أو الأغوار، أو بخصوص السيادة الجوية والعسكرية على فضاء الضفة الغربية، والتي أشار إليها نتنياهو بقوله المختصر، “لا سيادة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، إلاَّ لإسرائيل”.

تلك العصا السحرية، وصفقة القرن لا تستحق بالمطلق أن نضع أمامها علامة (=) مساواة مع ما يسمى عملية سياسية سلمية، لأن ما يطرح في هذا الشأن يمكن لأي قنصل أميركي أن يجري بعض الترتيبات الإدارية مع نتنياهو ويقنعه بإجراء انسحاب جزئي من الضفة الغربية من طرف واحد كما فعل شارون حين أعلن انسحابه من غزة، وكما كان ينوي شارون أن يفعل، حيث تسيطر إسرائيل على نصف مساحة الضفة والمستوطنات والأغوار، فالمسألة هنا فنية، يمكن لأي إداري أو ضابط عسكري برتبة جنرال أو أي دبلوماسي صغير يمكن أن ينجزها.

تلك العناوين التي تم تسريبها، لا ترقى إلى مستوى (تسوية سلمية)، أو عملية سياسية لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي و لا الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، هذا الأمر لن يغير في الواقع شيئاً، ولا يعطي للفلسطينيين أي شيء مرتبط بالحل الذي يريدونه على قاعدة حل الدولتين، وعلى قاعدة القدس عاصمة، وعلى قاعدة حدود 1967، لذلك فإن الحديث عن صفقة القرن بهذه العناوين لا يمكن تسميتها بالتسوية، لا بل يمكنهم تنفيذها بدون الفلسطينيين، وهنا تكمن نقطة القوة الفلسطينية التي يعتبرها الأميركي نقطة الضعف الرئيسية ويريد استثمارها عندما يتطابق موقفه مع الموقف الإسرائيلي.

السفارة الاميركية اسرائيل
مواقف نتنياهو تجاه مسألة السيادة، والسلوك الأميركية تجاه البعثة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وتهديدها بإغلاق مكتبها، وصفتها مصادر فلسطينية بالممارسات الصبيانية، متسائلة عن جدوى المنفعة من تلك العلاقة مع واشنطن إذا ما كانت مواقفها تتطابق ورغبة أقصى اليمين الإسرائيلي في الرؤية للتسوية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ورأت المصادر أن “التراجع الأميركي عن إغلاق المكتب، والتلويح بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس، ينم عن استخفاف أميركي بالشأن الفلسطيني، كما يدل عن صبيانية التفكير لدى هذه الإدارة في مقاربة هذا الصراع الذي عجزت الإدارات السابقة وكل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، من أن تقدم حلاً عادلاً تستهويه تل أبيب، أو وفق ما تريده تل أبيب”، واعتبرت “أن مرحلة طويلة من العمل السياسي الفلسطيني قد وصلت إلى خواتيمها، حيث تبدى مدى ارتباط الموقف الأميركي وتطابقه بطريقة (ذيلية) تبعية مع الموقف الإسرائيلي، في الوقت الذي لم يعد لدى الفلسطيني شيء يقوله سوى افعلوا ما تشاؤون، ونحن لن نسير معكم في هذا الأمر”.

المصادر أشارت الى قوة الموقف الذي اتخذه الرئيس الفلسطيني محمود عباس “برفضه التعامل مع الطروحات والضغوطات التي بدأت بالتهديد بإغلاق مكتب المنظمة، وبإبقاء الوضع الراهن على حاله دون أي تقدم في أي من الملفات”، مقابل “رشوة مالية، بدرجة من الرخاء الاقتصادي وحرية الحركة”.

وكشفت المصادر أن ابومازن “يدرك تماماً متى يقول لافي اللحظة المناسبة، لا ليست متطرفة، وليست ممانعة، إنما لا منطقية تستند إلى المصلحة الوطنية الفلسطينية، لا لمن يريد الاستهتار بالمصلحة الفلسطينية أو لمن يريد تجاوزها”، وقالت المصادر أن الفلسطينيين بعد كل هذه العقود التي مارسوا خلالها نضالهم من أجل أهدافهم الوطنية المباشرة، دون خوف من أميركا ولا إسرائيل، ولا أي طرف آخر، لا يريدون الصدام مع أحد ولا يرغبون فتح معارك بوجه أحد، إنما يريدون حقهم المشروع الذي يعترف به العالم.

قوة الموقف الفلسطيني السلمي ترتكز على شبكة علاقات متينة مع شعوب ودول العالم إضافة إلى أحرار العالم، وتستند إلى القوانين والحقوق الدولية والمشروعة للشعب الفلسطيني، وإلى مقاربات حداثية بسيطة، “لا بديل عن السلام إلاَّ السلام” فتلك العبارة تقف الجدار السميك بوجه العبث الأميركي، وبوجه التطرف الإسرائيلي، وفي وجه التخاذل الأوروبي المتردد، والذي لا يجرؤ أن يقول لإسرائيل كفى، وأن يقول للولايات المتحدة الأميركية ماذا بعد؟؟

لذلك، تختم المصادر الفلسطينية قولها: “إننا أمام مرحلة جديدة، بحاجة أن تتبلور فيها خطوط عمل فلسطينية أكثر نضجاً، أكثر عمقاً، أكثر تأثيراً، خاصة أن الموقف وبكافة الأحوال يشكل قاطرة العرب نحو السلام، فالموقف الفلسطيني هو الذي فتح أفق السلام في المنطقة، ولذلك لا تستطيع مصر أو أي دولة عربية أن تتحدث عن عملية سلام كبرى في الشرق الأوسط، ما لم يكن الفلسطيني في المقصورة الأمامية لقطارها”.

*فوزي ابو ذياب- الأنباء