الأزمة الألمانية بين الائتلاف والانتخابات المبكرة

 

تعيش ألمانيا حالياً اصعب مرحلة من حياتها السياسية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، في ظل التعثرات الواضحة في تشكيل حكومة ائتلاف ألمانية بعد فشل المستشارة أنجلينا ميركل من تشكيلها بالتشاور مع الأحزاب الأخرى، ووضع حد نهائي للأزمة الناشئة التي تعكس نفسها على الحياة السياسية الألمانية.

استطاعت المستشارة تحقيق فوز في الانتخابات البرلمانية التي حصلت ايلول / سبتمبر من هذا العام . لكنها فشلت في التشكيل في تشرين الثاني / نوفمبر .

تمكنت ميركل من تجديد ولايتها الرابعة في هذه الانتخابات لتكون مدة قياسية في إدارة الدولة. وهذا التجديد لم يحدث في اي دولة أوروبية اخرى وتحديدا لإمرأة مارست السياسة بجدارة حيث اضحت تُعرف في الاتحاد الاوروبي برجل أوروبا القوي.

بالرغم من هذا النجاح في الحياة السياسية الطويلة لبروفسورة الفيزياء القادمة من ألمانيا الشرقية في تولي قيادة ألمانيا، لكن هذه المرة أخفقت بالحصول على الأغلبية المطلقة او أغلبية مريحة لتشكيل حكومة منفردة او بمساعدة آخرين دون ضغط او ابتزاز او مساومة. كما عجزت عن إنهاء الأزمة وإعلان حكومة جديدة تنهي الفراغ الدستوري الذي تعيشه البلاد، والتي يفترض بنتيجتها الذهاب لانتخابات مبكرة تجهد الخزينة، وقد تعمل على تغير الخارطة الحزبية لصالح الافرقاء الآخرين بظل صعود اليمين الألماني المتطرف، وتمكن حزب البديل لألمانيا من تحقيق مكانة مميزة في الانتخابات الجديدة، خاصة انه لم يتوقف عن انتقاداته المستمرة لميركل وسياستها تجاه الاتحاد الاوروبي وتعاملها مع ملف اللجوء.

بالطبع الإشارات باتت تخرج من داخل الحزب الديمقراطي الاشتراكي بانه سيناقش جديا فكرة الدخول في ائتلاف مشترك مع ميركل، وقد توصل رئيسه بعد نقاش موسع مع أعضاء المكتب السياسي الى الموافقة على المشاركة وتليين المواقف بعد ان كان سيطر الرفض في الحزب. الا ان الحزب سيجري تصويتا لصالح الائتلاف بعد الانتهاء من عقد صفقة مع حزب ميركل.

وتشير الآراء بان الامور تسير بشكل بطيء جدا بالنسبة للحزب الديمقراطي كونه ذاهب لعقد مؤتمره بين 7 و 9 من الشهر القادم، ويأمل مارتن شولتز الفوز بالأمانة العامة بالإضافة الى مساومة جدية للحصول على أثمان سياسية عالية ومواقع مميزة في الائتلاف.

من جهة اخرى دعا رئيس الجمهورية الحالي فرانك فالتر شتاينماير الى لقاء سريع بين زعماء كل من الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والاتحاد المسيحي الاجتماعي والحزب الاشتراكي الديمقراطي في محاولة منه للدخول في وساطة بين الأطراف، وخاصة بانه عضو سابق بالحزب الديمقراطي، الهدف من اللقاء هو تجنيب البلد أزمة انتخابات مبكرة يدفع ثمنها الشعب الألماني وتلقي بظلالها على الاقتصاد والسياسية الألمانية، وكذلك عدم أضعاف دور ألمانيا على الصعيد الاوروبي، وعدم إعطاء اي فرصة لنمو الحركات اليمينية الانفصالية في أوروبا انطلاقا من اليمين الألماني الذي سيساعد على استنهاض الأفكار اليمنية المتطرفة للقارة العجوز، التي عانت الويلات من هذه الأفكار وساهمت باندلاع حروب لاتزال شعوبها تداوي جراحها منها الى اليوم .

ميركل لاتزال تسعى لتجديد صفقة الائتلاف مع حزبها “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” والحزب الديمقراطي الاشتراكي، كونها ترى بان العملية الائتلافية في فترة ولايتها السابقة كانت ناجحة جدا، ويمكن تكرارها لمصلحة الدولة، بالرغم من انها تسعى جاهدة لضم الأحزاب الصغيرة لحكومة ترأسها دون شروط بالرغم من فشلها بذلك اثناء التفاوض.

كما ان ميركل لا تزال مرشحة الأكثرية البرلمانية بالتكليف لإنجاح المهمة، ولكن بحال الفشل سيكون الذهاب حتما لانتخابات مبكرة يحدد موعدها رئيس الجمهورية.

بالطبع بعد مشاورات ١٩ تشرين الثاني / نوفمبر، باتت الانتخابات المبكرة هي الحل الافضل للجميع، لكنها ستكون ضربة سياسية قاسية تهز ألمانيا، وستترك اثارها على الداخل والخارج الاوروبي، مما سيغيب ألمانيا عن دورها الأساسي في تنمية الوحدة الاوروبية وتطوير دورها الموحد القادم، بعد ان كانت طوال الفترة الماضية وتحديدا فترة ميركل الدافع والمحرك الاول في تحقيق استقرار ووحدة البيت الاوروبي من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.

أما الآن فلأنظار تتجه نحو فرنسا التي اختارت أوروبا ونجحت بإيصال الرئيس الشاب ايمانويل مكررون الى الرئاسة، مما ساعد بكبح جناح التطرّف اليميني، حيث بات الحديث الجدي بان ألمانيا اختارت نفسها، اي “ألمانيا اولا”، على حساب أوروبا، مما ساهم حاليا بان تصبح فرنسا هي المحرك السياسي والدبلوماسي لأوروبا، لكن الامر يبقى صعبا اذا لم تكن ألمانيا الاقتصادية الى جانب فرنسا لإنتاج توجه لسياسة أوروبية جديدة صاعدة والمساهمة في رسم النفوذ الدولي على الخريطة الجيوسياسية بظل صراع النفوذ الدولي.

فهل تنجح ميركل مجددا في اجتياز الامتحان الصعب التي وضعت نفسها فيه، لتعيد لألمانيا دورها الريادي التي ناضلت لأجلها طويلا وحلمت بقيادة اوروبا طوال العقود السابقة؟!

خالد ممدوح العزي .

كاتب وباحث مختص بالشؤون الدولية .