..إذا قلنا: أخطأنا…
فيصل مرعي
27 نوفمبر 2017
حين تتفاقم الاوضاع في بلد ما، فإنما يكون ذلك بسبب عدة اعتبارات. وفي مقدمها قيام هذا البلد على اسس هشة. فالازمات التي ضربت لبنان تعود الى هذه الديمقراطية التي تمسك بها لبنان. ديمقراطية عرف لها اسم، ولم يعرف لها وجود. والعجيب، ان البعض ما زال يقول: انها افضل الديمقراطيات، خصوصاً وانها قائمة على قيمتين: الهوية والحرية. فأين نحن من هذه الديمقراطية التي حرمت الشعب من لقمة عيشه، وضربت اقتصاده في العمق، وفسَّخت حياته الاجتماعية، وباعدت بين ابنائه، متنكرّة لكل انواع الديمقراطيات، السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، مستجرَّة اميازات لفئة دون اخرى، ضاربة عرض الحائط قيام عقد اجتماعي، يؤسس للبنان جديد، بعيداً عن الهيمنة والتسلّط.
لن استغرق في الاسباب التي أدت بنا الى ما أدت ليه، من فوضى، واضطرابات، وارتباطات، واستدعاء دول، اغرقت الوطن في وحول الارتهانات، والمشاريع الجهنمية، وإنما اشارة لِمَا غرست في النفوس من طائفية، وتمذهب، وتعصب، جعلت لبنان في حيْرة من أمره، وأدت الى ضياعه سنين طوالا، تاركة إياه يوم الرحيل يتخبط وحيداً لا ظهير ولا سند له، مجرِّرة وراءها الازمات، وميثاقاً أشبه بمواثيق عهود الصفيح، والقرون الوسطى. وما نعانيه اليوم هو بسبب هذا الخلل البنيوي في البنى الفوقية، ونازلاً في البنى التحتية، وبسبب عدم تطبيق الطائف وهذه الاحتلالات التي تعاقبت على لبنان منذ نشأته، اي الدول التي توالت على لبنان، والتي كادت تدمر قيمتين: الهوية والحرية. واليوم ما زلنا نراوح مكاننا، سيما وان لا احد يعمل على انقاذه من ازماته وعثراته، الا القلّة القليلة من ابنائه المخلصين والوطنيين. هذه المعاناة هي نتيجة الازمات المتراكمة، على كل الاصعدة والمستويات. والمؤسف حقاً، ان ليس هنالك من انفراج، لا سيما تردِّ الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.
في كل الاحوال، نحن اليوم في حالة من غير المقبول وصفها بالجيّدة، خصوصاً وان الازمة كبُرت وتوسعت، حتى اصبحت ازمة اقليمية، بل دولية. ولا نغالي اذا قلنا: ان الاوضاع تزداد تعقيداً وتشابكاً، حيث لم يعد بإمكان لبنان تقرير مصيره نفسه بنفسه. فالازمة تخطت الوضع الداخلي، ولم تعد تقتصر على استقالة من هنا، وعودة من هناك. من المحتمل ان تكون الاستقالة قد فتحت شهيّة البعض على استغلال هذه الاستقالة كي تجعل منها ازمة سياسية بامتياز.
فيوم كاد ان يقدّم الرئيس الحريري استقالته، كان هنالك جملة من الاخطاء والممارسات المغلوطة. وفي مقدمها، ادارة الظهر للطائف، بل نسيانه، الى ان جاء من ينتفض عليه نهائياً، ناهيك عن عدم الالتزام بالبيان الوزاري، الذي اول ما نص على اتباع سياسة النأي بالنفس!
فهل بعد كل هذا المخاض، هنالك تسوية جديدة، او على الاقل تطوير هذه التسوية، حفاظاً على ما أُنجز وعلى ما تمَّ من استقرار امني.. حفاظاً على حكومة استعادة الثقة؟
والجدير بالذكر، ان نصف التسوية يكمن في الحد من النفوذ الايراني في لبنان، والباقي يقع على عاتق لبنان، بتطبيقه “الطائف”، وبالتزامه بالقرار “1701”، وبسياسة النأي بالنفس..
اوليس المطلوب في هذه اللحظة،
مؤتمر حوار وطني، سيما وان ما نشهده اليوم لم يسبق له مثيل، تحييداً للبنان من شرب كأس حرب، قد تعيدنا الى اجواء وبدايات الحرب الاخيرة؟
ان الوقت يداهم الجميع، والوضع يتفاقم يوماً بعد يوم، والجميع في حالة من الترقب والانتظار، وعلى هذا، فالجميع يأمل تحييد هذا البلد، وابعاده عن نكسات جديدة ، صيانة له من شر اعداء كثر، يعملون ليل نهار على ضرب عقده الاجتماعي، وعلى هذه التوازن بين مكوناته..
لقد ولّى زمن الاحتلالات، وضقنا ذرعاً بزمن الوصايات، والمشاريع الخارجية. فلبنان بعد اليوم، لا يليق به استحضار مشاريع من هنا وهناك، سيما وانه مركز الحضارات، وساحة التقاء للجميع. فلا ينفع الندم اذا قلنا: أخطأنا.
(الأنباء)