هل تكون روسيا اللاعب الاساسي في الحل القادم؟

 

لاتزال الازمة السورية وسبل معالجتها الهمّ الوحيد لكل الدول التي غرقت في المستنقع السوري وباتت تشكل عبئاً كبيراً عليهم وتستنزف مواردهم المالية والدبلوماسية والبشرية.

وخلال القمة الثلاثية الروسية التي انعقدت في مدينة سوتشي، بين الدول الثلاث المشاركة في الحرب السورية، اعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الحرب على الارهاب انتهت، وبات على الجميع الدخول في عملية التسوية.

وفي حديث للرئيس الروسي الى وكالة “ريو نوفستي” بعد انتهاء القمة ونقلتها وسائل الاعلام الروسية والعالمية، قال إنه بمساعدة هذه الدول حافظنا على بقاء سوريا موّحدة، وعدم السماح بانزلاقها نحو التفتيت والتقسيم، الذي كان يحاول الارهاب العالمي فرضه على سورية.

اعلان بوتين هذا يعني بأن المرحلة العسكرية انتهت، وبدأ النقاش الجديّ بالحل السياسي، والترتيب القادم لمستقبل سورية الموحدة ما بعد الحرب، وكذلك شدد على العمل السريع لنقل مناطق خفض التوتر العسكري الى مناطق تسوية نزاع تنخرط بالتسوية العامة، مصرّا على ان الجميع معني بالتسوية، وعلى جميع الاطراف بما فيها “الحكومة السورية” تقديم التنازلات من اجل الحل والمستقبل القادم .

هذا التوجه الروسي الجديد في سوريا جاء بعد صراع مع الدول والاطراف المتحالفة مع موسكو، استطاعت روسيا انتزاعه بالضغط على الدول المشاركة بالقمة، وكسب ورقة جديدة للسير بالتسوية السياسية وحل النقاط المتنازع عليها في كل من تركيا وايران وفرضها في اطار الحل العام.

من خلال القمة استطاع بوتين ان يضع ركائز للتسوية القادمة التي تقوم على الحل السياسي، واشراك كل المكونات في انتاجها وتفرض على الجميع التنازل .

لقد سحبت قمة ستوشي كل الاوراق من ايدي ايران وتركيا واعتبرتهما لاعبين جزئياً في الملعب السوري، وان الكلمة النهائية في التسوية تعود لموسكو التي تضمن بدورها مصالح تركيا وايران والحكومة السورية والمليشيات الاخرى .

هذا التوجه الذي اتبعته موسكو في التعاطي مع الحلول القادمة والدعوة المستعجلة لرئيس النظام بشار الاسد الى روسيا قبل القمة واجتماعه مع الرئيس بوتين وكبار الجنرالات واتصال بوتين المباشر بالرئيس الامريكي دونالد ترامب والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، يمكن ان يُستنتج منه النقاط التالية :

 

1- اجتماع بوتين مع الأسد شخصياً عشية القمة الثلاثية يبدو بروتوكوليا من باب المشاورات مع الرئيس الشرعي للبلاد من وجهة نظره.

 

2- احضار الرئيس الأسد إلى مدينة سوتشي” والاجتماع من دون وزراء أو عسكريين سوريين يبعث رسالة إلى إيران وتركيا بأن روسيا صاحبة القرار، وان على الدولتين العمل معها تحديدا والقبول بما تعرضه.

 

3- الاجتماع مع العسكريين الروس برئاسة وزير الدفاع مع عدم وجود عسكريين سوريين يبعث رسالة “نحن من حقق النصر، والشكر يجب ان يكون لنا، واليد الطولى لنا”. وكان يمكن أن يكتفي بوتين بالإشارة إلى تضحيات الجيش الروسي دون احضار قياداته.

 

4- روسيا تسعى إلى إستثمار سياسي سريع لتدخلها الذي تقول إنه شارف على انجاز مهامه بعد سيطرة الحكومة والقوات الموالية لها على 98% من الأراضي كما اشار بوتين في لقائه مع الرئيس التشيكي.

 

5-الاتصالات مع الأطراف الاقليمية والأهم مع ترامب تدفع الى الاعتقاد بوجود خطة سياسية متكاملة للحل.

 

6- وهذا قابله موقف سعودي تجسد بعقد مؤتمر المعارضة السورية تخلله الكثير من الاستقالات من الهيئة العليا للمفاوضات تشير إلى أن السعودية باتت أقرب إلى التخلي عن الموضوع السوري مقابل عدم مضايقتها في اليمن أو التشويش على الانتقال في الحكم فيها.

 

من هنا نرى بأن التسوية السياسية السورية باتت امام قاب قوسين من الانفراج استنادا لتصريحات الرئيس بوتين. لكن السؤال الذي يطرح نفسه على الطاولة، هو ماهي التنازلات التي ستقدمها روسيا و حلفائها للسير بالتسوية السياسة المعلنة بعد اظهار نفسها صاحبة القرار الأساسي في التفاوض السوري، والمرجع الذي يقرر الحلول بعد انتزاع هذا القرار من تركيا وايران وسورية.

روسيا تعرف جيدا بان سوريا باتت مركز نفوذ، ويجب استغلال الورقة السورية وتوظيفها في حل ملفات ومشاكل عالمية لتعزيز نفوذها الدولي، وخاصة بعد الانتصار العسكري الذي تم تسجيله في سوريا .

بالطبع موسكو تحاول القيام بتسوية سريعة في سوريا لأن الروس باتوا يرون ان سوريا مستنقع يجب الخروج منه بأقل الخسائر وعدم التمادي اكثر فيه والذي بات يستنزفهم .

كذلك باتوا على مقربة من حدث كبير في الصيف المقبل وهو مباراة كأس العالم في موسكو، فضلا عن الانتخابات النيابية التي ستجري في ايلول عام 2018، لذلك هم يعملون على إنجاز التسوية بسرعة، مع الاشارة الى ان روسيا تعاني من حصار اقتصادي ومالي يضعف مواردها وقدرتها منذ عام 2014 بعد دخول قواتها شبه جزيرة القرم .

لذلك تحاول روسيا توظيف انتصاراتها العسكرية في سورية واستثمارها سياسيا بسرعة، لكن التسوية مرتبطة بإنجازات اقتصادية سريعة تقوم على اعادة الاعمار، لذلك المطلوب حمايتها خليجيا واوروبيا وامريكا .

فإذا كانت روسيا تغازل المملكة العربية السعودية في العديد من الملفات، فما هي التنازلات التي ستقدمها روسيا للمملكة لإقناعها بالمشاركة في التسوية والسير بها والانخراط في مسيرة الاعمار المطلوبة .

تبقى العقدة الأساسية امام روسيا هي الولايات المتحدة، التي كانت قد طلبت من موسكو في قمة العشرين في المانيا وقمة آيبك في فيتنام، دفتر شروط يراد تطبيقه للبدء في التسوية ومباركة دور روسيا فيها.

ومن هنا يمكن القول إن الهوّة الروسية – الأميركة باتت تتسع يوميا، انطلاقا من الملف السوري، وخاصة بعد اعلان قمة “سوتشي” انتهاء دور “الدولة الاسلامية” التي تم تفكيكها وازاحة خطرها العسكري.

اذاً سورية تشكل للجميع نقطة مركزية في اعادة توزيع الادوار الاقليمية والدولية، وبناء على ذلك بات الجميع بإنتظار انعقاد مؤتمر جنيف 8 الذي لم تعد اولويته محاربة الارهاب الذي انتهى بدون عودة، ليفتح الطريق على مصراعيه لمعالجة الاسباب التي ادت لاندلع الثورة السورية منذ سبع سنوات والعودة مجددا في البحث في المربع الاول.

 

خالد العزي