ضرورة تجديد التسوية

جليل الهاشم

ابتداءً من هذا الأسبوع سيُعرف ما إذا كانت الأزمة التي وقعت فيها التسوية الرئاسية وأدت الى استقالة الرئيس سعد الحريري ستجد حلولاً لها، أو انها ستطول الى أسابيع وأشهر من دون أفق محدد.
بات من الواضح والمؤكد وبالملموس، ان لبنان لا يعيش ولا يستمر ولا يحكم من دون تسويات، وانه لا مجال فيه لإبعاد أو محاصرة أي طرف، خصوصاً اذا كان يتمتع بتمثيل شعبي وسياسي أو حزبي أو طائفي أو حتى مناطقي.
لكنّ إتفاق الجميع لا يمكن ان يتم أيضاً إلا تحت سقف القوانين المستندة الى الدستور، الذي هو تلخيص لصيغة العيش المشترك وبالتالي لصيغة الحكم.
المشكلة الآن وكما وصفها الرئيس الحريري، هي ان طرفاً أساسياً في المعادلة اللبنانية يفتح على حسابه مشاريع في الخارج، لا تقوم بها إلا دول كبرى لديها من الجيوش والطاقات ما يسمح لها بخوض معارك وتحقيق اهداف، وهذا الذي يجري بإسم حزب أو فئة يضع البلد بأكمله بطوائفه وفئاته، في مواجهة مع آخرين ويفتح الشهيّة أمام أحزاب وفئات وطوائف لإنشاء جيوش خاصة تتولى هي أيضاً وبإسم الشعارات نفسها او ما يماثلها فتح جبهات وخوض معارك خارج لبنان، تذكرنا بما كان يفعله أمراء الجبل في زمن السلطنة العثمانية، عندما كان يطلب اليهم ارسال الخيالة لقمع ثورات او انتفاضات او احتجاجات على السلطنة العثمانية من صفد ونابلس جنوباً الى حلب شمالاً، ولا يقف الأمر عند حدود إستذكار زمن السلطنة، فحتى في زمن الاستقلال كان في لبنان وقبل نشوء حزب الله من يفكر في ارسال قوات الى بلدان مجاورة لنجدة عشيرة او أبناء طائفة.
إستطراداً يمكن ان نطرح إحتمالات أخرى حديثة، منها ان تفكر مجموعات مسيحية مثلاً بإرسال ميليشيات وتحت العنوان نفسه، أي مكافحة الإرهاب وداعش، لنجدة مسيحيي سهل نينوى وتوطيد السلطة العراقية الديمقراطية ودعم إستقلال بلاد الرافدين.
كل هذه الامور لا بدّ ان تكون مدار بحث جدي حول دور الفئات اللبنانية ومستقبل لبنان، هذا الوطن الذي يجمعها، ومهمتها الأولى هي حفظه وتأمين إزدهاره ورفاهية شعبه.
وليس لبنان وحده من يعاني ظواهر مشاركة عدد من أبنائه في حروب خارج حدوده، إلا ان الدول المتقدمة والديمقراطية تسنّ القوانين التي تمنع هذه المشاركات وتعاقب مرتكبيها، ومنها فرنسا التي وجدت في السنوات الأخيرة انه من الضروري سنّ قوانين بهذا الشأن وهي فعلت ذلك.
تجديد التسوية في لبنان يحتاج نقاشاً بارداً في كلّ هذه الأمور، وهدفه الأول والأخير هو بناء الدولة اللبنانية الجامعة، واذا لم يحصل وسار الجميع على هذا الطريق فلن يتقدم البلد، وستبقى المشاكل تأكله من كل حدّ وصوب.

(الأنباء)