في مانشيت “الانباء”: عن صمت جنبلاط الأبلغ من الكلام

منذ اليوم الأول لإستقالة الرئيس سعد الحريري التزم النائب وليد جنبلاط الصمت. باستثناء بعض المواقف التي أطلقها جنبلاط على تويتر، ومرر خلالها رسائل وعناوين للمرحلة المقبلة، جددت التأكيد على ثوابته في الحرص على الإستقرار في البلد. لكن صمته كان أبلغ من الكلام، ولإفساح المجال أمام العمل بهدوء وحياكة المواقف بتأن لتمرير الأزمة الحالية. راقب جنبلاط مجريات الأحداث، واجرى الإتصالات اللازمة بكل الأفرقاء، مؤكداً تمسكه بالثوابت، تثبيت العلاقة مع سعد الحريري، الحرص على التسوية، وعدم الدخول في أي مواجهة داخلية أو تصعيد، كما حرصه على إستمرار لبنان بمواقفه الإيجابية مع الدول العربية وعدم إستعدائها، وهذا ما حاول صوغه مع الرئيس نبيه برّي، لتخفيف حدّة الموقف اللبناني تجاه ما يحصل، ولتجنّب إصدار أي موقف قد ينعكس سلباً على لبنان.

يعتبر جنبلاط أن المرحلة لا تحتاج للمواقف الرنانة، لا بل إن العمل أفضل من الإكثار بالكلام، لأن أي موقف قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة، وهو سار على نهجه المعتاد، والذي يتكتم على أي تحرك يقوم به، على قاعدة استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، وهو ما كان يريده جنبلاط، لأجل تمرير المرحلة بأقل الخسائر الممكنة، وإعادة إنتاج التسوية، وتدوير الزوايا وهو أخبر العالمين بها، وبتواصل مستمر مع الرئيس برّي.

يعرف جنبلاط، أن موجة التصعيد ستبدأ في التراجع، ولبنان محكوم بالتوافق والتسوية، ولذلك، لم ينجرّ إلى أي مواقف تضرّ بالمصلحة اللبنانية العليا، لا فيما يتعلق بالحريري والعلاقة مع المملكة العربية السعودية، كما حصل مع شخصيات أخرى صوبت سهامها تجاه المملكة، ولا فيما يتعلّق، بكل ما يطرح حول حزب الله ونشاطه خارج لبنان وتسليم سلاحه، لأن أولاً المرحلة لم تصل إلى هذا المستوى بعد، وأي تصعيد من هذا القبيل، يعني عودة الإشتباك السياسي إلى لبنان، والذي سيؤدي إلى إنقسام عمودي في البلد، يعيد رفع المتاريس السياسة بين شركاء التسوية ما يعني القضاء عليها.

يتماهى موقف جنبلاط، مع المواقف الدولية الرصينة والهادئة، والتي تريد الحفاظ على الإستقرار في لبنان، وهو كان السباق في إعلانه أن لا يمكن حلّ الأزمة بين السعودية وإيران إلا بالحوار، وهو الداعي لتعزيز هذا الحوار دوماً، وهذا ما حصل بعد إنفجار الأزمة، أثبت الموقف الفرنسي، والمسعى الذي تقوده فرنسا، ومصر إستناداً إلى مواقف دولية أخرى، كلها تنسجم مع وجهة نظر جنبلاط، والتي تعمل على إيجاد أرضية للبدء بحوار غير مباشر بين السعودية وإيران، وقد يكون مقدّمة لهذا الحوار، لعلّه بعاد تصويب التسوية وتصحيح مسارها.

ما يهمّ جنبلاط حالياً، هو إيجاد المخرج الملائم للأزمة الحالية، والحفاظ على التواصل بين اللبنانيين ومنع عودة لغة الإشتباك إلى يومياتهم، لأنه يعلم أن المنطقة المشتعلة، لا تزال تمرّ في تحولات جيواستراتيجية كبرى، أشار لها في تغريدته بالأمس، حين اعتبر أن حدود سايكس بيكو تذوب لصالح واقع جديد وفق الهلال الخصيب، وبالتالي فالأهم بالنسبة إليه هو إستمرار إبعاد لبنان عن هذه التحولات، كي لا يطاله الحريق وتغيير الخرائط.

ربيع سرجون – “الانباء”