في ذكرى وعد بلفور شجاعة جنبلاط وخساسة ماي

د. قصي الحسين

في الذكرى المئوية لوعد بلفور، استقبلت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في الثاني من تشرين الثاني نظيرها الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ووقفت لتعلن بكل صفاقة أمامه في كلمة نشرها مكتبها مسبقاً: “نشعر بالفخر لأننا لعبنا دوراً ريادياً في إقامة دولة فلسطين” (الحياة 3/11/2017، ص 4).

وكان من المقرر أن تقام مأدبة عشاء للمجرم نتانياهو، بحضور رودريك بلفور أحد أقرباء الوغد اللورد أرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني، الذي أخزى شرف المملكة المتحدة ولطخه بوعده المشؤوم الذي عرف بوعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني من العام 1917.

وأضافت رئيسة الحكومة البريطانية في حضور المجرم نتانياهو لتزيده إمعاناً في غيه وغطرسته وإجرامه، أنها ستحذر من “شكل خبيث لمعاداة السامية يستغل انتقاد أفعال الحكومة الإسرائيلية ذريعة للتشكيك في حق إسرائيل في الوجود”. أمّا الوغد نتانياهو فكان دعا من جانبه الفلسطينيين قبل توجهه إلى بريطانيا إلى الاعتراف بأهمية وعد بلفور”. وكان قال: “الفلسطينيون يقولون إن اعلان بلفور مأساة لكن الأمر لم يكن كذلك”، وأضاف: “المأساوي هو رفض تقبل الآخر بعد مرور مئة عام”. ثم قال: “آمل بأن يغيروا (الفلسطينيين) رأيهم لأنهم إذا قاموا بذلك، فسيتمكنون من المضي قدماً والتوصل إلى السلام”.

كأن شهيد فلسطين المعلم كمال جنبلاط، كان يريد أن يدحض مقولة ماي بما فيها من سفهٍ سياسي، ومقولة نتانياهو بما فيها من حقد صهيوني: “لقد قضت الذهنية المتأخرة والانتقالية لمعظم حكام العرب سنة 1948، وما قبلها وما بعدها، على الأحلام التي كانت تراود نفوس الشباب الفلسطيني والعربي بالانتفاض المباشر، وبمواجهة العدوان بالأساليب الشعبية والثورية الناجعة..” ويضيف المعلم الشاهد والشهيد وليسجل له التاريخ قوله: “ولما وقع الانهيار العسكري والسريع في الخامس من حزيران سنة 1967 لأسباب أضحت معروفة، لم يكن للشعب العربيّ المحيط بإسرائيل بد من سلوك طريق اللاعنف لفترة من الزمن – بعد أن فقد إمكانياته العسكرية – تلك المجابهة العمليّة والمعنوية التي تجسدت بالصمود”.

ماي ونتنياهو وبلفور

ويضيف المعلم القائد كمال جنبلاط موصفاً حالة الشعب الفلسطيني بخاصة والشعب العربيّ بعامة حيال اغتصاب فلسطين بحدود 48 واغتصاب الأراضي العربيّة بحدود 67: “ثم ما لبثت هذه الروح من الشجاعة المعنوية النابعة من عدم الرضوخ لواقع الانكسار وذهنيته، ومن تفهم الأخطاء، ومن رغبة في الاستعداد السريع، ما لبثت هذه الروح المعنوية أن تجلت بلون من النضال السياسي المباشر، ورفض الحكم والإدارة الإسرائيليتين. وقد شهدنا هذا التيار من العزيمة النفسية والاستعداد المعنوي لتحمل آلام وحرمان وتضحيات النضال، ينمو في أوساط الشعب… وهكذا انطلقت القوى الفلسطينية من عقالها مندفعة بالقوة والنشاط اللذين يقابلان تماماً ألوان الضغوط والحرمان والكبت والاضطهاد، التي تصد هذه القوى وتمنعها”. ويلخص المعلم كمال جنبلاط مواجهة الكيان الصهيوني النابت على أساس من وعد بلفور، بثلاث وجهات ينبغي أن يهتدى إليها: 1- الوجهة السياسية والدولية. 2- الوجهة المعنوية. 3- الوجهة العسكرية” (كمال جنبلاط 30/1/1969. مختارات في ذكرى ميلاده الستين، ص 165).

أمّا الرئيس وليد جنبلاط، وبمناسبة الذكرى 13 لانطلاق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: 13/11/1979 فيؤكد بعده بعشر سنوات على ضرورة وحتمية إرساء أسس النضال الثوري على مفهوم تقدمي وعلمي، تؤمن بوحدة قوى التقدم والثورة في العالم، وتعمل في النطاقين القومي والعالمي من أجل تحرير فلسطين ورفع القضية الفلسطينية إلى المستوى العالمي الذي يجب أن تحتله كقضية من قضايا العالم الرئيسية. ويذكر وليد جنبلاط بموقف المعلم كمال جنبلاط على هذا الصعيد بأن التمسك “بهذه القيم التي كان القائد الشهيد كمال جنبلاط، يدعو إليها دائماً، يعتبر عاملاً هاماً من العوامل المؤدية للنصر” للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني المسلوب والأرض الفلسطينية السليبة.

وفي مكان آخر يقول وليد جنبلاط بعد كمال جنبلاط بعشر سنوات: “إننا تجاه آخر التطورات السياسية في المنطقة، نرى أن المؤامرة لا تزال مستمرة ضد الشعب العربيّ الفلسطيني وضد حركة التحرر العربيّة”. فالتحالف القائم بين الولايات المتحدة الأميركية وبين إسرائيل وبين المملكة المتحدة وإسرائيل، إنما يفرض حالات اغتصاب الحقوق وسلب الشعوب، وفي طليعتها الشعب الفلسطيني. ونرى وليد جنبلاط يدعو منذ ذلك الوقت، وكأنه الشاهد التاريخي على ما نشهده اليوم، إلى التركيز على القضايا الأساسية الهامة التالية: 1- وحدة فصائل المقاومة الفلسطينية. 2- تبني برنامج ثوري موحد تستمر قوى الثورة في نضالها لتحقيقه. 3- الارتفاع بالحركة الوطنية والقومية اللبنانية إلى المستوى الذي يجب أن تحتله كحركة ثورية عربية موازية، وحليفة للثورة الفلسطينية. 4- دعم قوى الصمود والتصدي العربيّة في مواجهتها لاتفاقيات كامب ديفيد. 5- وحدة قوى التقدم والثورة في العالم ضد المؤامرات الامبريالية والصهيونية”. (وليد جنبلاط: مواقف وقضايا نضالية 1977- 1980، ص 70).

في ذكرى وعد بلفور آن لنا أن نقول: عاش جنبلاط وخسئت ماي. وخسئ معها المجرم والتافه والفاسد نتانياهو، وخسئ قبلهما بمئة عام العميل الوغد والمجرم أرثر بلفور وزير خارجية المملكة المتحدة آنذاك التي أورث المملكة المتحدة عار إسرائيل إلى الأبد، ولو عاشت لحين، جاثمة على صدور المناضلين الثوريين من كل شعوب العالم ومن بينهم الشعب الفلسطيني المناضل والشعب العربيّ المخذول بحكامه، ولو إلى حين.

(الأنباء)

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث