تغييب «الخليجي» و «الجامعة» … والبديل منظومة أمنيّة

عادل مالك (الحياة)

عندما نشأ مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة مطلع الثمانينات، استقبل بايجابية ليس من قبل أعضاء «الكيان الخليجي الجديد» فحسب، بل على الساحتين الإقليميّة والدولية.

وقد أعطى المجلس صورة بهيّة وناصعة عن «أوّل» إتحاد عربيّ لدى مواطني دوله العديد من النقاط المشتركة، إضافة إلى الطاقات الهائلة التي يضمّها المجلس سواء من حيث الطاقة الماليّة أو النفطيّة.

ومنذ قيام مجلس التعاون حتى الأمس القريب قدّم العديد من الإنجازات على غير صعيد، على رغم نشوء بعض الأزمات أو الاختلافات في الرأي حول بعض السياسات والمواقف المشتركة التي كانت تحلّ ضمن إطار «العائلة الخليجيّة الواحدة».

… مع انفجار «أزمة قطر» في الآونة الأخيرة، وُجهت الاتهامات بشكل واضح وصريح لسلطاتها بإيواء الإرهاب ودعم الإرهابيين، وبقيت تفاصيل هذه المأساة تبرز تباعاً.

لكن ما يمكن التركيز عليه هو التالي:

جرت العادة أن تنعقد القمّة الخليجية في كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، بالمداورة. وهذه السنة دور دولة الكويت. ومن هذا المنظار يمكن التأكيد على الجهود المكثّفة التي يبذلها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، من أجل تأمين انعقاد القمّة الخليجية الآتية ولو بالحدود الدنيا من التفاهم، لكن كل المساعي التي بُذِلت لم تُفضِ حتى كتابة هذه السطور إلى ما يشير إلى نجاح هذه المساعي، ومن هذا المنطلق نفهم قول مصدر كويتي مسؤول: إن القمّة الخليجيّة مهدّدة بعدم الانعقاد… ولذا قيل إنّ مستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة بعد الآن على المحك.

وهنا تنتهي المعلومات الظرفيّة أو الآنيّة قبل الوصول إلى المعلومات الأكثر خطورة والتي نسوقها على ذمّة الرّاوي المطلع على مجرى الاحداث وخاصة في منطقة الخليج العربيّ.

وتفيد معلومات المرجع الرفيع المستوى أن دراسة أقرب إلى التقرير– الوثيقة قد جرى إعدادها وهي تقوم على «إنهاء خدمات مجلس التعاون الخليجي» عن عمر يقرب من ثمانية وثلاثين عاماً. وإذا ما تمّ التأكيد على هذا التصور الذي تتابعه بعض الدوائر في وزارة الخارجيّة الأميركيّة، ومجلس الأمن القومي، فهذا يعني حدوث تغييرات جذريّة تعيد طرح «أوراق الخليج العربيّ» في مهب الرياح العاتية والأزمات التي تعربد في المنطقة… وعلى أهل الخليج وخاصة الحكماء منهم أن يجيبوا عن السؤال: ماذا بعد؟ وما هي الخطوة التالية التي يجب أن تعقب «إنهيار» المبنى الخليجي المشترك، على حدّ تعبير ديبلوماسي أميركي تتداخل مهامه مع ملف «الخليج العربيّ»!

وإذا ما تابعنا جولتنا في شؤون وشجون المنطقة من المحيط إلى المحيط ومن الخليج إلى الخليج لاكتشاف المزيد من الخطوات والمتغيّرات التي تتلاءم وتتواءم مع طبيعة المرحلة السائدة إقليمياً ودولياً، أفادتنا معلومات «المرجع» بما هو أكبر وأخطر، حيث يتم كشف النقاب عن «غياب» أو «تغييب» جامعة الدول العربيّة التي أصبحت عاجزة كليّاً عن القيام بأي دور «فاعل ومجدٍ».

وهذا يعني من الناحية العملية «ترحيل» أو «تغييب» الجهاز المصاب بحال من العجز الواضح. لقد كانت الغاية من اختيار وزير خارجية مصر السابق أحمد أبو الغيط ليكون أميناً عاماً جديداً للجامعة على أمل استنهاض العمل العربي المشترك، أو ما تبقى منه. لكن تبيّن التجربة الطويلة من عمل الجامعة عدم وجود أي نيّة لتنشيط دورها، والمعادلة واضحة وتقوم على: «كما تكونوا يولّى عليكم».

إذ عندما تريد العرب جهازاً صلباً يرعى شؤون وشجون العرب يبرز الدور الكبير للجامعة، وعندما يبرز أي تضامن عربي حقيقي تكون الجامعة العربيّة انعكاساً له.

هذا في جانب من المعلومات… لكن ماذا عن المراحل البديلة؟

استناداً إلى الدراسة والتقرير المشار إليه فالمعطى هو التالي، بحرفيته:

«قيام منظومة أمنيّة» ذات مظلّة كبيرة تضم دول المنطقة بما في ذلك… إسرائيل!

يتزامن حدوث التطوّرات مع مرور مئوية وعد بلفور ومئوية «سايكس- بيكو» حيث جرى تقاسم النفوذ بين الدول الكبرى في حينه.

وفي سياق متصل ويتعلق بواقع المنطقة ومستقبلها نعود إلى وثيقة أخرى تتضمن التصور الجديد لمنطقة الشرق الأوسط. ونضع أمام قرّاء المقال معلومات وثيقة يمكن اعتبارها خريطة طريق لما هو آتٍ من التطورات التي تسير بوتيرة سريعة ومتسارعة يحتاج المرء معها إلى بذل جهود كبيرة لاستدراك ما أمكن من الاحداث.

ونورد بعض ما ورد في هذا التقرير بحرفيته:

– إن حدود الشرق الأوسط تسبب خللاً وظيفياً داخل الدولة نفسها، وبين البلدان في ما بينها، خاصة في خلال الممارسات ضد الأقليات القوميّة والدينيّة والإتنية أو بسبب التطرّف الديني أو القومي والمذهبـي، ولذلك يجب إنهاء هذا الأمر:

* إنهاء الظلم الذي يعاني منه عدد من الأقليّات في الشرق الأوسط ومنها الأكراد والبلوش والشيعة العرب.

* محاربة الإرهاب بشكل كامل بواسطة القوّات الأميركية المتمركزة في المنطقة مع حلفائها من الدول المحلّية أو العالميّة.

* تأمين تدفق النفط بشكل تام وكامل للغرب من دون أي قيود.

* تحقيق السلام الكامل عبر إحداث تعديلات في الحدود الجيو- سياسية للدول الموجودة حالياً في الشرق الأوسط، ونشر الديموقراطية.

ويمضي التقرير ليقول:

* إنّ هذا التغيير في الحدود المرسومة حالياً وتعديلها لايجاد شرق أوسط جديد لا يمكن أن يتم بسهولة وسرعة لأن إعادة تصحيح الحدود الدولية يتطلب توافقاً بين ارادات الشعوب مما قد يكون مستحيلا في الوقت الراهن، ولضيق الوقت قد يحصل سفك للدماء للوصول إلى هذه الغاية واستغلال عامل الوقت لصالح هذه الخطة…

* وعليه فإن دولاً جديدة ستنشأ مما يعني فقدان بعض الدول الموجودة أجزاء كبيرة من حدودها الحالية وزيادة حدود دول أخرى.

ويتحدث التقرير عن «الدولة الكرديّة»، حيث تقتضي الخطة إقامة دولة كرديّة مستقلة للأكراد البالغ عددهم ما بين 27 و36 مليون كردي يعيشون في مناطق محاذية لبعضها البعض في الشرق الأوسط (الأكراد هم أكبر قومية في العالم لا يعيشون في دولة مستقلة).

ويضيف التقرير: استغلال الفرصة التاريخيّة التي لاحت للولايات المتحدة بعد سقوط بغداد في إنشاء دولة كرديّة إثر تقسيم العراق إلى ثلاث دول لأن الأكراد سيصوّتون بنسبة 100 في المئة لصالح قيام دولة مستقلة إذا عرضت عليهم فرصة قيام دولة مستقلّة.

وغنيّ عن القول أن هذا التقرير قد أُعدّ قبل التطوّرات الأخيرة التي شهدتها كردستان العراق، والاستفتاء الشعبـي الذي دعا إليه رئيس الاقليم مسعود بارزاني. وعلى رغم أنّ الأكثرية صوّتت إلى جانب الحكم الذاتي فإن مواقف بعض الدول إقليمياً ودولياً عارضت اتجاه كردستان نحو الاستقلال الذاتي… وسيبقى مصير استقلال كردستان العراق معلّقاً حتى إشعار آخر.

ويمضي التقرير ليتحدث عن تغييراتٍ جذرية في خريطة منطقة الشرق الأوسط، كما تجري الإشارة إلى التطلّعات العامة للسياسات الأميركية، حيث يورد الآتي:

«إن الدّول التي تحويها القائمة الأميركية في هذا المجال هي الدول الأكثر تنوعاً وامتزاجاً مثل العراق، أفغانستان، السودان، لبنان، الجزائر. وذلك من أجل إعادة صياغة الواقع العرقيّ والطائفيّ والقوميّ وفق تركيبة تناسب المخططات الأميركيّة التي تهدف إلى تحقيق عدّة أهداف ومنها:

– إضعاف الدّولة القوميّة بشكلها الحالي والتي لديها حساسية كبيرة بطبيعة الحال تجاه التدخلات الخارجية في شؤونها وهو ما يسهّل الاختراق الاميركيّ للدول التي تأبى الانصياع لما تريده أو التي ترفض التغيير.

وينتهي التقرير إلى الاستنتاج التالي:

إن الهدف من ورقة الأقليّات هو تسويغ وجود إسرائيل وتوسيع رقعة المشكلات والنـزاعات الإقليميّة الداخليّة العرقيّة والقوميّة لأشغال العالم العربي والإسلامي وشعوب هذه الدول بالمشكلات الداخليّة المستجدة لديهم والمخاطر التي تتهدّد بلدانهم المعرّضة للتفتيت والتقسيم بحق أنفسهم أصلاً وتجزئة المجزأ بعدها حتى تصبح القضية الفلسطينيّة في آخر اهتمامات الشارع الإسلامي. وبذلك تنعم إسرائيل بما هي عليه «الآن» .

وبعـد…

هذه بعض الوقائع وهي غيض من فيض، ما يجب أن ينير الوعي لدى كل مواطن ينطق لغة الضاد، ليكون على بيّنة مما يخطط له على الأقل.

وللحديث تتمة، بل تتمات.

اقرأ أيضاً بقلم عادل مالك (الحياة)

مَن يستدرج مَن: واشنطن ترامب أم طهران؟

سورية: «انتهت» الحرب … ولبنان في الضوء الأحمر

التغييرات في خرائط المنطقة وفقاً لمراجع أميركية

روسيا تكشف المستور: نعم نتشاور مع إسرائيل!

زمن أميركا أولاً… ظالمة أو مظلومة؟

لبنان – المنطقة – العالم: بين الراحل والآتي

هل يتمدد النزاع في سورية بين سوريي الداخل ولبنان والجوار؟

الإمام موسى الصدر: بدعة لا غالب ولا مغلوب؟

… وهبّت رائحة النفط على لبنان: نعمة أم نقمة؟

عن «حصة الأسد» للأسد والباقي… تقسيم!

سورية بين «الذكاء» الروسي و«التذاكي» الأميركي!

… وماذا عن توطين النازحين اللبنانيين؟

الوضع في منتهى الخطورة… ما أشبه يوم العرب بأمسهم!

سورية: عشية «هدنة إنسانية» بعد التصعيد الخطير!

سورية: الحرب الصعبة والسلام المستحيل!

عكس السير والمنطق: تأجيج حروب… الحل!

عن ارتدادات ريختر الحريري: قبل أن يقرر عن اللبنانيين

عن حرب السنتين في لبنان: بين «سلام اليوم» وحروب الأمس!

المنازلة المبكرة بين «القيصر» بوتين و «السلطان» أردوغان

التدخل الروسي يمنع تقسيم سورية أم يعجل فيه؟