رحلة مع المقدّم

وهبي أبو فاعور

في ذكراك الأولى يا مقدّم لا تغيب عن بالي المهمات المشتركة التي كنّا نقوم بها في الوطن منذ تعارفنا في نيسان 1976 ونحن ما زلنا في ريعان الشباب حيث كان الصمت المطلق والحديث بالأعين في حضرة كمال بك في قيادة عاليه للمرة الأولى لم أكن أعرف يومها منكم أحداً إلاك وأمين أبو عاصي.

وكنّا تعارفنا سابقاً في حاصبيا منذ أكثر من عشر سنوات وتطورت علاقتنا صداقةً وعملاً ولن يستطيع الموت أن ينتقص من عمق العمل المشترك المصبوغ بالصداقة والإحترام والتعب مهما طال الزمن وخاصة بعد حرب الجبل حيث امتدّ العمل المشترك يومياً ممّا يزيد عن سنتين وأكثر.

فإليك في ذكراك الأولى تذكار رحلة إلى إيطاليا في شباط 1993 برفقة الرفيق الدمث خفيف الظل موزون الكلام خالد المهتار.

في 7 كانون الأول 1992 كان العدو الإسرائيلي يقوم بهجوم تأديبي ضد حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين المحتلة ممّا أربك أرباب التسوية بأبعاد 417 كادراً من المكونين الجهاديين إلى لبنان لإفراغ التنظيمين من أبرز قيادييهما. فحُدد موعد الطرد وأخذ ضجةً عالمية ولكن دون جدوى. حوالي منتصف الليل كنا باْنتظارهم ثلاثة أنا ويوسف أبو العز وسهيل أبو فاعور (مراسل صوت الجبل حينها) كنّا الثلاثة ننتظرهم بعد معبر زمريا المشؤوم لقوات العميل لحد وكان القرار السوري اللبناني يقضي بعدم استقبالهم في لبنان وكان تشديد للقوى الأمنية على حاجز مرج الزهور بقطع الطريق حيث تُركوا على بعد حوالي 2 كلم عن الحاجز وعادت الباصات العشر فارغة وتمّ استقبال المبعدين الأعزاء من قبلنا نحن الثلاثة فتعرفنا إلى قيادتهم المؤلفة من الدكتور محمود الزهار والمرحوم الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي والأخ حسن سلامة ولا أذكر الأسماء الأخرى. فقضينا الليل الطويل معهم في العراء حتى كان الصباح وأتت الأمتعة من راشيا أتى بها الرفيق فارس فايق وهي من عتاد الكشاف التقدّمي من خيم وبطانيات وبعض العتاد العسكري الموضب في مستودع وكم كابدنا ليلها من صعوبات معهم وكابدوا، ووليد بك على السمع يستعلم ويستفسر لحظةً بلحظة وإذاعة “صوت الجبل” تواكبنا بأدق التفاصيل وفي اليوم الثاني أتت المساعدات لإقامة مخيم ولا بدّ هنا من التنويه بما قام به أنصار فتح يومها والجماعة الإسلامية من جهود وتضحيات. بالتعاون مع الأصدقاء الفلسطينيين كان لا بد من القيام بجولة على أصدقائنا الأوروبيين لتشكيل كتلة ضغط دولية من أجل إنهاء مأساة المبعدين وإعادتهم إلى بيوتهم وكان القرار أن نشكل وفداً من الحزب ونأخذ إيطاليا ساحةً لحشد التأييد لهم فتشكل وفد من المقدّم أمين السر العام ومفوض الشؤون الإجتماعية الرفيق خالد المهتار ومنّي وتوجهنا إلى إيطاليا في شباط 1993.

وكان للمقدم المناضل شبكة من العلاقات بأوساط اليسار الإيطالي وكان مرشدنا هناك الرفيق طلال خريس الذي حصل على دعوتنا من كونفدرالية العمل الإيطالي ولا ننسى الإحاطة التي أمنها لنا المقدّم بواسطة أصدقائه وائل طليع ونعيم نكد وهكذا كان في اليومين الأولين إذ استطعنا أن نؤمن لقاءات مع مسؤولين في الدولة الإيطالية وفي الأحزاب اليسارية شارحين الخطوة الجريمة التي أقدم عليها الكيان الإسرائيلي باْقتلاع مواطنين من ديارهم ورميهم في منطقةٍ معزولة عن الأنس والخدمات كما قمنا بزيارة إلى السفارة اللبنانية في روما لوضع السفير في تفاصيل مهمتنا.

Untitled-17
ثمّ كان بعدها توزيع للعمل إذ انطلق المقدّم إلى بولونيا لعقد اجتماع مع جماعة اليسار في الشمال لشرح وجهة نظرنا فيما انطلقنا بالقطار خالد وأنا إلى فيريرا للإلتقاء مع جماعة العالم الثالث وكان الإجتماع حاشداً في 7 شباط.

عدنا بعدها إلى روما لنعد العدّة بالإنطلاق إلى الجنوب إلى باري مع الأخوة الفلسطينيين السفير نمر حماد والقياديين جبريل الرجوب والدكتور سري نسيبة فجبريل كنا تعرفنا عليه سنة 1992 عندما رماه العدو الإسرائيلي مع مجموعة من المبعدين بين نقطتي كفرمشكي ومرج الزهور فجازفنا ونقلهم الرفيق كمال الساحلي سيراً على الأقدام إلى راشيا حيث باتوا ليلتهم لنؤمن إتصالاً مع الصديقة نائلة شويري من اللجنة الدولية للصليب الأحمر لنقلهم إلى كسارة ليتدبروا أمرهم مع المنظمات الدولية والفلسطينية وتسلّم بعد عودته إلى فلسطين الأمن الوقائي أما الدكتور نسيبة فهو مناضل مقدسي من إحدى العائلات السبع التي تحتفظ بمفتاح كنيسة القيامة دورياً مثقفٌ راقي عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة فتح.

نزلنا إلى الجنوب وكان استقبال في مطار باري على شرف نمر حماد، وبدأنا في عقد الإجتماعات وكان يومها اليسار الإيطالي منقسماً لأجنحة عديدة ولكننا هناك إلتقينا باليسار والكونفدرالية في باري وليتشىي وكانت منا زيارة إلى ماريتينيانو البلدة المتوأمة مع كفرمتى اللبنانية حيث كان لقاء ودي مع أهلها اليساريين بمعظمهم.

كان المقدّم رحمه الله نجم هذه الرحلة ولسان هذة المهمة ومُبلغاً لرسالة حشد الرأي العام الإيطالي لمساندة المبعدين الفلسطينيين.
فإلى روحك يا شريف كل التقدير والمحبة.

(الأنباء)