هل سيستخدم الرئيس الحريري احدى أساليب الوصاية؟

منذ ما قبل الرابع عشر من شباط من العام ٢٠٠٥، تاريخ إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بقرابة ثلاثة عقود وحتى اليوم، ”ينعم” لبنان بوصايتين متتاليتين ومتداخلتين، حددتا في كل محطة أساسية حاضره ووجهة مستقبله في جميع الاستحقاقات المصيرية، وأحياناً في تفاصيل الحياة اليومية. تلا إغتيال الرئيس الحريري ثورة الأرز، فإنسحاب نظام آل الأسد، الوصيّ الأول، تزامناً مع عملية التسلم والتسليم بينه وبين الْوَصِيِّ الثاني، حزب الله، مُمثِل ولاية الفقيه في لبنان والمنطقة وذراعها الأقوى.

فمنذ ما يفوق الأربعين عاماً والوصيّ يمسك بخيوط المشهد السياسي في لبنان ويقرر عن معظم اللبنانيين من سيمثلهم في الندوة البرلمانية عبر فرض قانون الانتخاب، ويقرر عن غالبية النواب أي مرشح لرئاسة الجمهورية سيدلون بأصواتهم له، عبر الضغط عليهم أو عبر تعطيل النصاب متى شاء، ثم يقرر من الذي سيسميه رئيس الجمهورية ليرأس الحكومة خلال استشاراته مع النواب والكتل المُنتخبة بمعظمها بناءً لشروطه ومشيئته، يليها موافقته على تشكيل الحكومة والثلث المعطل ثم البيان الوزاري.. وهكذا دواليك حتى يصل الأمر بالوصيّ أن يتدخل بإنتخاب رؤساء البلديات و المخاتير والأعضاء في بعض البلدات والمدن، وبجميع الحالات يبقى الولاء المطلق هو الرصيد والمحفّز الأقوى لجميع المرشحين لنيل أية منصب، ناهيك عن الإلزامية المستحدثة وهي الشعور بالدخول الي عالم “الملكوت” لدى محاولة تقبيل أرجل الولاة!

IMG-20171101-WA0045

فاعتمدت الوصاية مبدأ صارم، إما أن يكون القرار لها وإلا.

١- التصفية الجسدية، خلال حقبة وصاية نظام آل الأسد، وفِي أي وقت من الأوقات لاح بالأفق للْوَصِيِّ بأن قرار ما سيتخذ خارج إطار خارطة طريق إستراتيجيته، كان يعمد إما الي التصفية الجسدية كما حصل منذ إغتيال المعلم كمال جنبلاط، مروراً بإغتيال الرئيسين بشير الجميل ورينيه معوض، ثم المفتي حسن خالد، ولغاية إغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعه من شهداء ثورة الأرز، واللائحة تطول.

حتى انه إقتصَ من حلفائه حين أزعجوه أو خرجوا عن طاعته وسيطرته كما حصل مع ايلي حبيقة، وأحياناً إقتص من العاملين لديه حين ينتهى دورهم ومن أجل تغطية أفعالهم الجرمية التي كان قد كلفهم بتنفيذها وقد أنجزوها، كما حصل مع غازي كنعان ورستم غزالة حيث إنتُحِروا بعدة طلقات نارية، وبعدها مع إغتيال الحاجيّن عماد مغنية ومصطفى بدر الدين، كما أشارت بعض التحليلات الصحفية بأنه كان عمل ضمن البيت الداخلي. والملفت بجميع هذه الأسماء أن أصحابها من المتهمين أو ذات صلة ما في عملية إغتيال الرئيس الحريري حسب تحقيقات المحكمة الدولية لأجل لبنان. وكذلك مؤخراً تم تصفية عصام زهر الدين وخلفه الأول. وفي جميع الحالات كان الوصي- المصفيّ ينعيهم شهداء أبطالا ويمنحهم ألقابا ترتقي بهم الي درجة شهداء القضية الفلسطينية دفاعاً عن القدس برتبة ملاك!!

٢- التهديد والوعيد؛ غالباً ما كان الوصي يعمد إلي اُسلوب التهديد والوعيد كما حصل غداة التمديد للرئيس أميل لحود مع الشهيد رفيق الحريري ومع رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، المشهد الذي كُرِر معه إبان مصالحة الجبل.. كذلك طال التهديد والوعيد العديد من الشخصيات المعارضة للْوَصِيِّ والذين رفضوا إملاءاته! ناهيك عن إجتياح بيروت في أيار ٢٠٠٨ و بعدها القمصان السوداء و أمثلة كثيرة لا مجال لتعدادها.

٣- التعطيل والتأجيل: كذلك أثبتت السنوات المنصرمة بأن الْوَصِيِّ كان يعمد الي إستخدام أسلوب التعطيل والتأجيل ريثما تأتيه الظروف الملائمة لتنفيذ أجندته السياسية وتحقيق أهدافه. وبين عشرات النماذج يسجل ثاني أطول تعطيل جراء الإعتصام الذي أقيم تحت رعاية ومظلة الوصي اللبناني، أي حزب الله، في كانون الاول من عام ٢٠٠٦ في ساحة النجمة واستمر لمدة سنة ونصف والذي أدى الي إقفال أبواب المجلس النيابي من اجل منع إقرار المحكمة الدولية، الامر الذي دفع سبعون نائباً لإرسال مذكرة الى الامم المتحدة مباشرةً تحثها على تأليف المحكمة بسبب اقفال مجلس النواب أمامهم! أما التعطيل الذي يتصدر القائمة منذ قيام دولة لبنان كان تعطيل دور البرلمان في الانتخابات الرئاسية المنصرمة، من حيث مدته التي دامت ‏سنتان ونصف عبر عدم إكتمال النصاب في ٤٥ جلسة!

IMG-20171101-WA0046

أما في نهاية تشرين الاول من العام ٢٠١٦ المنصرم، فقد فُرض الرئيس وتلاه تشكيل حكومة ثم إقرار قانون الانتخابات النيابية على أساس النسبية الهجينة الذي أعلن عنه أمين عام الوصاية قبل أن يُتفق عليه في اللجنة الرباعية- فالخماسية وقبل أن يقرّ في المجلس النيابي، في الوقت الذي مازال الفريق الآخر يحلو له إعتبارها تسوية سياسية بكامل إرادته، حفاظاً على ماء الوجه، فيما الحقيقة أن ذلك الفريق قبل بالتسوية لشعوره بخطر محدق على الدستور وبالتالي على الجمهورية والهيكل!

في سياق قانون الانتخابات النسبي الذي يحسّن موقع كتلة “حزب الله” وحلفائه ويضعف باقي الكتل نسبياً على حساب توزّع بعض المقاعد على تيارات وأحزاب ومستقلين من خارج المحادل المعهودة، الأمر الذي زاد الانطباع السائد ان حزب الله هو المستفيد الأول من التسوية السياسية المفروضة والذي نجح في إمرار قانونِ انتخابٍ يمكّنه من الإمساك بقرارات البرلمان العتيد، الامر الذي يجعله أكثر المتحمّسين لإجراء الانتخابات في موعدها في أيار ٢٠١٨ المقبل لضمان مجيء أكثرية ستشرع له سلاحه، كما يترقب المحللون!

من الناحية الإقليمية والدولية وفِي ظل الرزمة الجديدة من العقوبات الاميركية الأشد صرامةً على الحزب وفي ظل طلب ‏وزير الخارجية الأميركي من الكونغرس تفويضاً للقيام بعمل عسكري ضد نظام بشار الأسد، كما ومواقف الوزير السعودي ثامر السبهان التصاعُدية الداعية ‏”للجم الحزب ومعاقبة من يعمل ويتعاون معه سياسياً واقتصادياً واعلاميا والعمل الجاد على تقليمه داخليا وخارجيا ومواجهته بالقوة”، كذلك أشارت عدة مصادر الي أن الإتحاد الاوروبي، وبضغط أميركي، بصدد إدراج جناحي الحزب تحت قائمة الارهاب وعدم الفصل بين جناحيه العسكري والسياسي! كما أن المواجهة الأميركية – الإيرانية مفتوحة على مصراعيها والرابح فيها معروف سلفاً!

فهل سيعمد الرئيس سعد الحريري وحلفائه على السعي لتأجيل الإنتخابات ”بيومترياً” أو هل سيحاولون حياكة تمديد رابع للمجلس النيابي الي ما بعد نضوج الظروف وتطبيق أي من الإجراءات المرتقبة، والمتوقع من خلالها إضعاف الوصايتين وكامل المحور الذي ينتميان إليه، خصوصاً أن التطورات الإقليمية المُحتملة ترتقي الي مستوى التحولات التي يتوقع أن تكون لصالحهم، وفي حال حصول ذلك ”يعمّد” الرئيس الحريري وحلفائه مسيرتهم بإستخدام إحدى أساليب الوصاية الملتوية ولو لمرة واحدة فقط؟

(الأنباء)