الصين… الاستعراض المبهر للقوة

ديفيد إغناتيوس (الشرق الاوسط)

جاءت قيادة الرئيس الصيني شي جينبينغ للتجمع الحاشد الذي نظمه الحزب الشيوعي شاملة، لدرجة أن الرئيس ترمب شبهه بـ«الملك». ومع هذا، فإن بعض المحللين الصينيين يتساءلون حول ما إذا كان شي جينبينغ قد بالغ في بسط دائرة نفوذه أم لا.
خلال المؤتمر العام الـ19 للحزب الشيوعي، الذي اختتمت فعالياته هذا الأسبوع في بكين، هيمن شي جينبينغ على المنصة، فعلياً ورمزياً. ومن خلال جهوده لتعزيز سلطته محا أسلوب القيادة الجماعية الذي اعتمد عليه أسلافه في العقود الأخيرة، وقد حول نفسه إلى مرتبة زعيم صيني مبجل لم يرقَ إليها سوى ماوتسي تونغ ودينغ شياو بينغ. واليوم، يجري الاحتفاء بـ«فكر شي جينبينغ»، باعتباره مرشداً نحو «حقبة جديدة» في الصين.
وقد جرى إيجاز هذا الصعود القوي لشي جينبينغ في تقرير خاص وضعته مؤسسة «بامير كونسلتينغ» البارزة حول الصين. وذكر التقرير أنه خلال السنوات الخمس الأولى لشي جينبينغ في السلطة، تمخضت الحملة التي شنها ضد الفساد عن معاقبة 1.53 مليون عضو بالحزب الشيوعي، وتحويل 278 ألفاً إلى المحاكمة، بينهم 440 مسؤولاً وزارياً أو محلياً و43 عضواً باللجنة المركزية في الحزب، ما يعادل قرابة 11.4 في المائة من مجمل أعضاء اللجنة.
إضافة لذلك، عمد شي جينبينغ إلى شن حملة تطهير داخل صفوف المؤسسة العسكرية الصينية، ففي ظل حكمه تعرض 13 ألف ضابط للسجن بتهمة الفساد، حسبما أفادت «بامير كونسلتينغ». وبديلاً عن الجنرالات الذين أطيح بهم، استعان شي جينبينغ بقيادات جديدة داخل هيئة الأركان المشتركة والجيش والقوات البحرية والجوية بجيش التحرير الشعبي.
أيضاً، يتمتع شي جينبينغ بتفوق واضح في خضم المعارك الدائرة بين الفرق والفصائل المختلفة على المستوى الأعلى من القيادة داخل الحزب الحاكم، ذلك أنه من بين 25 عضواً في المكتب السياسي باللجنة التنفيذية من الحزب الشيوعي، 17 حلفاء له، حسب تقديرات «بامير كونسلتينغ». ويشغل حلفاؤه أربعة مقاعد من إجمالي سبعة مقاعد داخل اللجنة الدائمة التابعة للمكتب السياسي. وللمرة الأولى منذ عقود عدة، لم تشر القيادة إلى من سيخلف شي جينبينغ في أعقاب إنجازه فترة رئاسته الثانية التي تستمر خمس سنوات كأمين عام للحزب الشيوعي، ما يوحي بأنه قد يقدم على تجاهل الحد الأقصى المحدد بـ10 سنوات الذي التزم به القادة الصينيون في السنوات الأخيرة.
على صعيد آخر، يبدو أن ترمب ينظر على نحو إيجابي تجاه شي جينبينغ، ما اتضح في إجرائه اتصالاً هاتفياً بالرئيس الصيني لتهنئته، الأربعاء، وثنائه على «ارتقائه الاستثنائي» من خلال تغريدة له عبر موقع «تويتر». وخلال مقابلة تلفزيونية أجريت معه، قال ترمب متحدثاً عن شي جينبينغ: «يمكن للبعض أن يطلق عليه ملك الصين».
والتساؤل هنا: ما المشكلة التي يمكن أن تواجه قائداً يملك مثل هذه السلطة الكاسحة؟ في الواقع، يرى بعض المحللين البارزين أن هيمنة شي جينبينغ أصبحت اليوم شاملة على نحو يحمل في طياته بعض الخطر، فهو يسيطر تماماً على مقاليد السياسات الاقتصادية والخارجية على نحو سيجعله عرضة للوم عن أي انتكاسات قد تقع. وربما الأهم عن ذلك أن سلطته النافذة قد تثير قلق الصينيين الأكبر سناً الذين ربما لا يزالون يتذكرون الأضرار التي حلت بالبلاد جراء حالة تأليه الفرد التي أحاطت ماو.
في هذا الصدد، أعرب كيرت كامبل، الذي تولى إدارة السياسات الآسيوية داخل وزارة الخارجية أثناء إدارة أوباما، وسافر إلى بكين لمتابعة المؤتمر العام للحزب الحاكم، عن اعتقاده أنه «فيما وراء المظهر الرائع، ثمة مخاوف وشعور بعدم الارتياح في صفوف بعض القيادات الصينية المتقدمة في العمر، الذين لا يزالون يذكرون النزوات والواقع المؤلم المصاحب لحكم الفرد الواحد».
والسؤال هنا: هل يمكن أن يقدم مسؤولون صينيون بارزون على إثارة التساؤلات بخصوص شي جينبينغ؟ في الواقع، نوه محللون بالصورة الجامدة التي بدا عليها وجه كل من جيانغ زيمين وزهو رونجي، الرئيس ورئيس الوزراء السابق، على الترتيب. أيضاً، غاب عن المؤتمر العام للحزب الحاكم لي روي، الوزير السابق في عهد ماو، ويبلغ من العمر 100 عام ويحظى بتبجيل بالغ. يذكر أن روي عانى بشدة أثناء «الثورة الثقافية» وعاون في إقامة مؤسسات للقيادة الجماعية خلال حقبة ما بعد ماو.
وقد تكشف قلق شي جينبينغ من الانشقاق في وثيقة داخلية للحزب صدرت أخيراً، التي، تبعاً لمصدر مطلع، حذرت من توجيه انتقادات لقيادة الحزب والتاريخ الشيوعي والثقافة الصينية التقليدية والأبطال الوطنيين. ويشير هذا ضمنياً إلى حظر توجيه النقد إلى شي جينبينغ.
الملاحظ أن طموح شي جينبينغ لا يقتصر على السلطة المحلية أو الشخصية، وإنما شرح أمام المؤتمر العام أجندة لنمو الصين حتى عام 2050، بحيث تتحول إلى «دولة قوية حديثة» بمقدورها الهيمنة على القطاعات التكنولوجية والمالية والأمنية. جدير بالذكر أنه منذ خمس سنوات فقط، كانت الصين تتحدث عن طموحاتها المتعلقة بالتحول إلى قوة إقليمية، لكن شي جينبينغ يصف اليوم صيناً قادرة على رسم ملامح نظام عالمي جديد.
من ناحيتها، تطرح أميركا تحت قيادة ترمب مشكلة معقدة بالنسبة لبكين. في الوقت الراهن، اختار شي جينبينغ مبادلة تقرب ترمب بتقرب مثله. وتستعد الصين لاستقبال ترمب الشهر المقبل كما لو كان شخصية ملكية، على نحو يشبه كثيراً استقبال السعوديين له في مايو (أيار). وجرى التخطيط لحفل استقبال رفيع، قد يعقبه لقاء بحضور عدسات المصورين بين أحفاد شي جينبينغ وأحفاد ترمب.
من ناحيتهم، لطالما أكد المفكرون الاستراتيجيون الصينيون أن الحكمة تقتضي أن تظهر أقل قوة مما أنت عليه حقاً وتفاجئ خصمك. إلا أن هذا التوجه لم يعد ممكناً في ظل شي جينبينغ صاحب السطوة الملكية، لكن لا بد أنه مدرك جيداً للمخاطر الكامنة وراء هذا الاستعراض المبهر للقوة.