جنبلاط والحركة الوطنية اللبنانية على دفتر التسوية

د. قصي الحسين

على غلاف كتاب “لبنان وحرب التسوية” لكمال جنبلاط بإشراف د. فؤاد شاهين والذي أصدره مركز الدراسات الاشتراكية في الحزب التقدمي الاشتراكي في آذار 1977 وهو الشهر والعام الذي وقعت فيه جريمة اغتيال قائد الحركة الوطنية اللبنانية ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الزعيم العربيّ والوطني الشهيد كمال جنبلاط، قرأت للزميل المرحوم د. فؤاد شاهين:

“الرئيس كمال جنبلاط، قائد الحركة الوطنية اللبنانية، وملهم أفكارها وخط نضالها، هو أفضل شاهد على ثورة العشرين شهراً.

وشهادة كمال جنبلاط هي شهادة إنسان قاد المعركة وعاشها يوماً بيوم، بل دقيقة بدقيقة، وخطط لها بدقة وإحكام، وكان يتقدم المقاتلين في معظم المعارك الفاصلة. فشهادته إذن هي شهادة الثائر الأصيل المطلع على كل تفاصيل الأحداث وخفاياها.

لذلك يعتبر هذا الكتاب دليلاً لكل مناضل ثوري، يبغي تثقيف نفسه وتهذيبها، لأنه ناتج عن تجربة واقعية، وعن معاناة يومية. وهو ليس تطفلاً أو عملية وجدانية. كما أنه أفضل ما كتب في تحليل الأوضاع اللبنانية والعربية لتلك الفترة!

جعل د. فؤاد شاهين مقالة كمال جنبلاط: “قصة الطائفية السياسية” في صدر الكتاب. إذ رأى بثاقب نظره وخبرته، أنها أصلح أن تشكل مدخلاً، لما أراد من عنوان عريض لكتاب: “لبنان وحرب التسوية”.

الحركة الوطنية

قال كمال جنبلاط:

1- أن أزمة لبنان تعود إلى العالم 1845م يوم شكلوا “سنجق لبنان”. إذ كرس أول بادرة للطائفية السياسية بالقائمقاميتين: الدرزية والمارونية. وأن نظام شكيب افندي التركي آنذاك ساهم في تعقيدات الحياة السياسية والاجتماعيّة في سنجق لبنان، فظهرت الحروب الداخلية، وتدخلات الدول الأوروبية. وأرسلت فرنسا فرقة عسكرية فرنسية إلى لبنان. وهذا ما أنتج في الامبراطورية العثمانية المريضة بروتوكول العام 1861 لحكم سنجق لبنان، مما كرس الطائفية السياسية.

2- رأى كمال جنبلاط أنه بعد هذا التكريس، أدخلت التعديلات على البروتوكول السابق، عرف “بنظام جبل لبنان”، وهو مجتزأ عن الإمارة العربيّة في سورية. وهو بروتوكول 1864م.

3- رأى كمال جنبلاط أيضاً أنه عندما جاء الفرنسيون في أعقاب الحرب العالمية الأولى، حددوا خارطة لبنان الحديث وذلك بتكريس نظام لبنان الكبير، كما أسموه بدستور صدر سنة 1926م.

4- ويقول كمال جنبلاط إن الفرنسيين تحاشوا أن يوردوا إلزاماً طائفياً معيناً، مكتفين بمادة عابرة مؤقتة حول التمشي على قاعدة الطائفية، ما أمكن في بعض الوظائف الرئيسية. وهي مطاطة ولا تلزم الدستور ومطبقيه بأي التزام سياسي أو معنوي.

5- غير أن الفرنسيين زرعوا الطائفية السياسية، حين وضعوها في مجلس النواب: تكوينه من أكثرية مسيحية، ومن أكثرية مارونية في الأكثرية المسيحية، بنسبة أربعة مقابل خمسة. ثم عدلت سنة 1943 متزامنة مع أحداث الاستقلال خمسة مقابل ستة. ثم زادت نسبة أعداد الموظفين المسيحيين في الإدارة فيما بعد.

6- ويقول كمال جنبلاط: جرت محاولتان لتجاوز قاعدة الطائفية السياسية في انتخاب رئيس الجمهورية:

أ- من خلال الإجماع على النائب الطرابلسي الشيخ محمد الجسر رئيساً للجمهورية فقر المفوض السامي حل المجلس النيابي.

ب- ويوم عرض على سامي الصلح عام 1943 ليكون بديلاً عن الشيخ بشارة الخوري.

7- ويقول جنبلاط: توالى على حكم لبنان أكثر من مسيحي غير ماروني: شارل دباس وأيوب ثابت وبترو طراد.

ويخلص جنبلاط إلى القول: “هذه هي قصة الطائفية السياسية التي كانت أحد أسباب إعاقة التطور اللبناني نحو استيعاب دور الحكم شبه العلماني لمدة ألف ومئتي سنة، في عهود الإمارة العربيّة”، التي تآمر عليها بعض من في الداخل، بتحريض من الدول الأجنبية، فقضوا عليها العام 1861. وتوجهوا لفصل جبل لبنان بنظام وحدود تحت حماية الدول السبع، يحكمه متصرف مسيحي من الأقليات، ويعاونه مجلس للإدارة منتخب.

8- ويقول جنبلاط أنه في المرحلة الثالثة، كرست الطائفية السياسية سنة 1958 بمبدأ المناصفة في الوظائف، وذلك بقانون. وقد أسماها الرئيس فؤاد شهاب تنظيم الطائفية السياسية وأن النسبة التمثيلية في المجلس النيابي بقيت بنسبة خمسة مقابل ستة. وأن الوطنيين من جميع المذاهب كانوا يصطدمون بالطائفيين، كلما حاول هؤلاء إلغاء الطائفية السياسية. ورأى أن هذه المحاولات كانت تتكرر دون نتيجة.

9- ويرى كمال جنبلاط أن تفجير “أزمة 1975 – 1976″، إنما أتى لإعاقة مسلك التطور في الدعوة لإلغاء الطائفية السياسية بقيادة الحركة الوطنية اللبنانية، وعلى رأسها الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه كمال جنبلاط، وذلك من أجل صهر شعب لبنان في وحدة قومية ووطنية “لا تفريق فيها ولا تمييز”، ودعماً لفكرة التطور الديمقراطي السليم”. في ظل تنامي الروح الوطنية والفئات المثقفة، ومنها الطلابية، وفي ظل تنامي حجم الفئات الاجتماعيّة المتزايد، وفي طليعتها الصناعيون والحرفيون.

برأينا أن الهواجس والمخاضات التي دعت رئيس الحزب الاشتراكي رئيس جبهة النضال الوطني ورئيس كتلة اللقاء الديمقراطي في المجلس النيابي، لإعادة إحياء الحركة الوطنية اللبنانية، إنما هي نفسها التي أولدتها أو أنتجتها “لا فرق” في زمن الزعيم كمال جنبلاط، وأن الشعور بحجم المسؤوليات الكبرى، تجاه الأخطار العظمى المحدقة بلبنان اليوم، إنما هو من واجب الزعماء التاريخيين في الوطن عادة، أو هكذا يجب أن يكون.

ولبنان اليوم أمام ما يجري فيه وحوله، هو بلا شك على دفتر التسوية في المنطقة العربيّة، وقد وجد وليد جنبلاط، ضرورة استحضار الحركة الوطنية اللبنانية لمواجهة الأخطار.

إن لؤم السياسة الداخلية المنبثق بطبيعة الحال عن لؤم سياسات الدول الأجنبية وفي طليعتها إسرائيل، والذي يشعر به الوطنيون اللبنانيون جميعاً من كل الطوائف، لما يحرض نفوسهم على الوحدة الداخلية، لمواجهة المؤامرات على لبنان والتي تستهدف أرضه وشعبه ودولته وجميع مؤسساته وإداراته.

فقد أراد وليد جنبلاط تحصين لبنان، بالإرادة الوطنية من خلال دعوته لإحياء الحركة الوطنية، تحسساً منه بعظم المسؤولة التي تقع على كتفيه، وشعوراً منه بحجم الأخطار التي تهدد لبنان الكيان والصيغة والميثاق والدستور والإدارة والقوانين الناظمة لها.

فلبنان الوطن كما يرى وليد جنبلاط، يجب أن يخرج من حريق اليوم كما خرج في زمن كمال جنبلاط من حريق الأمس. ولا بد من حضور الحركة الوطنية اللبنانية على دفتر التسوية التاريخيّة.

* أستاذ في الجامعة اللبنانية

اقرأ أيضاً بقلم د. قصي الحسين

كمال جنبلاط البيئي وإلتقاط البرهة!

مجتمع البستنة

الدكتور اسكندر بشير التجربة والرؤيا الإدارية

 ساق الحرب

جائزة إدلب

جميل ملاعب والقدس: تأبيد الرؤيويات البصرية

جسر السلام: ثوابت كمال جنبلاط الفلسطينية التاريخيّة

القتل السري عن كمال جنبلاط والقتل السياسي

حين السياسة بمفعول رجعي

ترامب والتربح من الصفقات

عن النظام يأكل أبناءه الفوعة وكفريا نموذجاً

مصطفى فروخ وطريقه إلى الفن

 الرئيس القوي

 د. حسين كنعان وأركيولوجيا القيافة والثقافة والسياسة

 ضياء تلك الأيام

 عن كمال جنبلاط والفرح بالعمل

 تتجير السلطة

تيمور جنبلاط بصحبة والده في السعودية زيارة تاريخية إحيائية

 كوفية تيمور ومليونية القدس وجه آخر للاضطهاد والإحتلال

تجديد “نسب الخيل لابن الكلبي” ونسخ لمخطوطاته التراثية الثلاث