أولاد السياسة

جليل الهاشم

يعتقد بعض السياسين أن التاريخ يبدأ معهم فهم الذين يضعونه ويكتبونه ليفرض على الآخرين، وبالنسبة اليهم فإن الأخرين لم يكونوا موجودين وليس لهم دور بل إنهم خارج أي حساب وربما في خانة الإلغاء. وغالباً ما يكون هذا الصنف من السياسيين قادماً من لا شيء فحظي بموقع وصل اليه بالصدفة، فلم يعد يرى أبعد من أنفه ونسي أين يضع رجليه.

هذا النوع من السياسيين لا يأتي من العدم ميزته الأساسية الرغبة في الوصول أي أن الوصولية هي صفته الأساسية وليس مهماً كيف يصل لا يأخذ بعين الاعتبار لا التاريخ ولا الظروف ولا حتى ما يقوله المنطق أو الحس السليم. أنه كالدّب الذي يسجّن في غرفة مليئة بالأواني الزجاجية فيحطمها جميعاً.

من حق أي طامح للعمل السياسي في لبنان أن يتحرك ويحاول كسب الجمهور إلى منطقه وسياسته، واللبناني أصبح كائناً سياسياً بامتياز فكل فرد من اللبنانيين يعتبر نفسه مشروع زعيم سياسي لكن عليه أن يعرف الأرض التي يعمل عليها وان يتحرك بحسب ما تمليه وقائع هذه الأرض وليس مجرد رغباته الشخصية وأوهامه ومصالحة الضيقة. العمل السياسي في لبنان يعني أن تأخذ بعين الاعتبار تنوعاً طائفياً ومذهبياً وثقافياً واسعاً وغنياً ويعني أن تسفيد من تجارب وعبر الماضي وأن تتقدم منها الى الأمام وليس إلى الوراء.

يعني أن لا تنسى حروباً استمرت أعواماً يتحمل مسؤوليتها وبنسب مختلفة كل من شارك فيها فانتجت دماراً وخراباً وقتلاً وتهجيراً وان كل هؤلاء المشاركين اكتشفوا أن لا بد من تسوية تقوم على المصارحة والمصالحة ولم يكن ذلك ممكناً على أيدي الصغار فالمصالحة والمصارحة احتاجاتا رجال كبار هؤلاء حضروا في الطائف ثم كانوا في الجبل قلب لبنان وهم الذين صنعوا الأمل بإمكانية استعادة اللبنانيين حقهم في السلام والأمن وبناء الدولة السيدة القائمة على أسس الدستور والتزام القوانين.

باسيل

ليس مطلوباً الكثير من الشرح بفهم المقصود مما فعله المرشح المزمن الى الانتخابات النيابة الوزير جبران باسيل وما قاله في وادي رشميا هو إشارة تدل على النوع السياسي الذي نتحدث عنه. فاذا كان العالم يتحدث اليوم عن ما بعد الحداثة فإن الخطاب الباسيلي هو خطاب ما قبل التاريخ. خطاب التحريض الذي يسبق الحروب ولا يستفيد من دروسها بل هو خطاب الناقم على الكبار اللذين يصنعون الأمل والأمل يعني، هو الموقع الذي اختاره باسيل للادلاء بسمومه، ذلك اللقاء الكبير الذي كرّس المكرّس في جبل لبنان وهو علاقات الأهل والشراكة التاريخية بين مواطنين هم اللذين صنعوا نواة لبنان الذي نعيش فيه.

(الأنباء)