من يحكم الرقة بعد “داعش”.. وما هو مصير قادة تنظيم الدولة؟

انتهت معركة الرقة وأعلنت “قوات سورية الديمقراطية”، النصر على تنظيم “داعش” بعد سيطرتها على عاصمة دولة الخلافة في سوريا، ورفعت أعلامها فوق آخر مواقع التنظيم المتشدد في المدينة.

حيث يمثل سقوط الرقة بعد الموصل، نهاية أسطورة دولة “الخلافة الإسلامية في العراق والشام”، ورمزاً قوياً على تغير أحوال التنظيم وسطوته، حيث استخدم الرقة مركزاً لتخطيط عملياته وحروبه في الشرق الأوسط وسلسلة الهجمات التي نفذها في الخارج.

“قوات سوريا الديمقراطية” التي تضم فصائل عربية وكردية تدعمها الولايات المتحدة، أعلنت عن بدء تمشيط المدينة والبحث عن خلايا نائمة فيها، وقال المكتب الإعلامي للقوات، بأنها تحتجز قادة أجانب من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وذلك بعد شهور من المعارك في المدينة، لكن أحداً لم يوضح ما إذا كان سيتم ترحيل المحتجزين الى بلادهم عقب محاكمتهم، أم أنه سيتم تسليمهم إلى دولهم للتحقيق معهم ومحاكمتهم فيها، سيما وأن معظم الدول التي شاركت في التحالف الدولي ضد “داعش”، لديها مقاتلين من أبنائها في صفوف التنظيم الإرهابي، تخشى عودتهم دون محاكمة.

المرصد السوري لحقوق الإنسان، كشف عن أن المقاتلين الفرنسيين والبلجيكيين المنغمسين في التنظيم، تسلمتهم أجهزة استخبارات بلديهما، فيما أعلن المتحدث بإسم “قوات سوريا الديمقراطية” أنها “تحتجز أمراء أجانب من كل دول العالم، تم القبض عليهم ضمن عمليات نوعية، فيما سلم البعض منهم نفسه”.

ورفض المتحدث، تحديد عدد السجناء البارزين الأجانب، لكنه قال إن استخبارات “قوات سورية الديموقراطية” تستجوبهم. وأضاف: “لدينا معتقلات خاصة لداعش. لا يتم وضعهم مع السجناء العاديين”، مشيراً إلى أنه “يتم التحقيق معهم ويقدمون للمحاكمة كإرهابيين”.

وكانت “قوات سورية الديموقراطية”، قد بدأت في حزيران الفائت، معركة تحرير الرقة بدعم من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بالضربات الجوية والقوات الخاصة، بعد شهور من المعارك التي أدت إلى  حصار المدينة، وكانت الرقة أول مدينة كبرى يسيطر عليها تنظيم “داعش” في أوائل 2014، قبل سلسلة من الانتصارات السريعة التي حققتها في العراق وسوريا.

وفيما لم تندرج الرقة ضمن مناطق خفض التوتر التي أعلن عنها في الآستانة، برعاية من روسيا وتركيا وإيران، أعلنت “قوات سوريا الديمقراطية”، أن الرقة ستكون جزءا من سوريا “لا مركزية اتحادية” لتربط بذلك مستقبل المدينة التي حررتها من التنظيم، بخطط أكراد سوريا الساعية لإقامة مناطق حكم ذاتي في شمال البلاد.

وقالت “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تتحكم بقيادتها “وحدات حماية الشعب الكردية”، في بيان “نؤكد بأن مستقبل محافظة الرقة سيحدده أهلها ضمن إطار سوريا ديمقراطية، لا مركزية اتحادية، يقوم فيها أهالي المحافظة بإدارة شؤونهم بأنفسهم” في إطار مجلس مدني وقوة شرطة محلية تشكلا تحت رعايتها بدعم من التحالف الدولي، وذكر البيان الذي تلاه المتحدث باسم القوات في وسط الرقة “نتعهد بحماية حدود المحافظة ضد جميع التهديدات الخارجية”.

وكان الأكراد سوريا قد بدأوا اتخاذ إجراءات لإقامة نظام اتحادي في المناطق التي يسيطرون عليها في شمال البلاد، حيث بدأت عملية انتخابية من ثلاث مراحل الشهر الماضي، بالتزامن مع استفتاء كردستان العراق.

وتواجه خطط إقامة مناطق حكم ذاتي في شمال سوريا معارضة واسعة من الولايات المتحدة وتركيا التي دفعت بقواتها الى إدلب واتخذت فيها نقاط تمركز عسكرية قرب عفرين في خطوة اعتبرها المراقبون، استباقية لمنع ربط المناطق الكردية بعضها ببعض ومنع تمددها نحو البحر المتوسط.

في سياق متصل، يرتبط بمقاتلي تنظيم “داعش” بعد سقوط الرقة وحصاره في دير الزور التي يتسابق مقاتلي النظام السوري وحلفائهم من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى للسيطرة على مناطقها لا سيما حقولها النفطية، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إنه حصل على معلومات من عدد من “المصادر الموثوقة”، تفيد بأن عددا من القياديين في تنظيم “داعش” تمكنوا من الفرار إلى الأراضي التركية.

وأضاف المرصد عبر موقعه الرسمي، أنه وثق عبور عدد من القياديين في التنظيم من جنسيات سوريا وأجنبية إلى الجانب التركي خلال الأيام والأسابيع المنصرمة، وأكد المصدر أن عملية الانتقال التي قام بها قياديون وعناصر من التنظيم، جرت عبر دفع رشاوى مالية تراوحت بين 20 – 30 ألف دولار أميركي.

بدورها وكالة المخابرات الداخلية الألمانية، حذرت من أن يصبح القُصَّر الفارين من مناطق الحرب في سوريا والعراق والعائدين الى بلادهم، جيلا جديدا من المجندين لصالح تنظيم داعش. وقالت المخابرات الداخلية إن أكثر من 950 شخصا من ألمانيا ذهبوا للانضمام لداعش في سوريا والعراق نحو 20 في المئة منهم نساء وخمسة في المئة من القصر.

مدير المخابرات، هانز جورج ماسن قال، “إن على ألمانيا أن تستعد لخطر انتشار التطرف بين الأطفال”.

وقال ماسن، “نرى الخطر المتمثل في عودة الأطفال الذين خالطوا الإرهابيين وتلقوا تعاليم منهم. قد يسمح بنشأة جيل جديد من الإرهابيين في ألمانيا”.

وفي هذا السياق، ضاعف المشرعون الألمان من زيادة الإنفاق على أجهزة الأمن والاستخبارات بالبلاد، وذلك لمواجهات التهديدات الجديدة التي تواجه ألمانيا، حيث مررت لجنة الموازنة التابعة للبرلمان عدة تشريعات تنص على ضم 3250 عنصرا جديدا إلى قوات الشرطة الاتحادية في السنوات المقبلة.

وتعد السلطات الأمنية خططا للتوظيف في وكالة جديدة معنية بفك الاتصالات المشفرة والتي تضاعفت إلى 120 فردا، وتشمل زيادة الإنفاق أيضا خططا خاصة بحماية المدنيين والمهاجرين.

بدورها بريطانيا، اتخذت إجراءات حماية جديدة ضد الإرهاب، حيث أنشأت صندوقاً خاصاً، لدعم تكنولوجيا جديدة لفحص حقائب اليد في المطارات سعيا للكشف عن أي متفجرات مخبأة دون أن يضطر المسافرون إلى تفريغ حقائبهم من الأجهزة الإلكترونية.

وقالت وزارة النقل إنها ستخصص ثلاثة ملايين جنيه إسترليني (3.9 مليون دولار) لدعم الابتكارات في سبيل رصد المتفجرات المخبأة إلى جانب سبل جديدة للكشف عن أي تلاعب بالأجهزة الإلكترونية.

وانضمت بريطانيا إلى الولايات المتحدة في فرض ما يعرف باسم حظر أجهزة الكمبيوتر الشخصي على متن رحلات جوية بعينها من الشرق الأوسط هذا العام ومنع المسافرين من حمل أجهزة إلكترونية في حقائب اليد، ورفع الحظر عن بعض الرحلات الجوية من تركيا وتونس بعد فرض إجراءات أمنية جديدة، لكنه لا يزال قائما في أماكن أخرى.

تجمع آراء خبراء مكافحة الإرهاب، أن هزيمة “داعش” في الموصل، والرقة ودير الزور، لا يعني نهاية التنظيم المتشدد، الذي عاث الأرض فساداً وإجراماً، لا بل فإن تقلص وجوده الجغرافي، يضاعف من انتشاره الافتراضي، ويعزز عمل خلاياه النائمة، فنهاية ظاهرة “داعش” المعلوم، يطلق العنان لحرب أكثر شراسة وإجراما وترهيبا من داعش المجهول، والتي تحتاج إلى آليات مواجهة مختلفة عن تلك التحالفات الكبرى وقنابلها العملاقة وتجاربها الصاروخية، وحاملات طائراتها.

*فوزي ابو ذياب  – “الأنباء”