“متحف الفلاح اللبناني”.. نفحة قروية متجددة في إبل السقي “النموذجية”!

لم يأتِ تصنيف بلدة إبل السقي “قريةً نموذجيّة” من العدم. فهذه القرية الوديعة في قضاء مرجعيون – محافظة النبطية فيها من المميّزات ما جعلها بالفعل نموذجاً للقرية اللبنانية الأصيلة، رغم تطاول معالم الحضارة والتمدّن على أبنيتها الحديثة وأسلوب عيش أبنائها.

فحتّى يومنا هذا، لمّا تزل الأزقّة المكتظّة في إبل السقي تحكي روايات شعبية خلّدها في الذاكرة الشعبية والوطنية إبنها البار، شيخ الأدب الشعبي الكاتب الراحل سلام الرّاسي. وحتّى يومنا هذا، ما زالت الزراعة نمط حياة تعتمد عليه نسبة كبيرة من أبنائها، ما يفسّر سعة المساحات الخضراء في نطاقها.

وحتّى يومنا هذا، ما زالت إبل السقي تتميّز بما تبقّى من القرميد فوق سطوح منازلها، وسط مساعٍ حثيثة من قبل البلدية لتشجيع الأهالي على تجميل بيوتها بالأسطح القرميدية حفاظاً على طابعها القروي النموذجي. والأهم من الشكليات، هو أن إبل السقي، رغم سنوات الإحتلال الإسرائيلي للجنوب، ورغم ويلات الحرب اللبنانية وفصولها، لم يتأثّر أهلها يوماً بما يخرّب عليهم هناء عيشهم المشترك، وتنوّعهم الطائفي والعقائدي والسياسي، وانفتاحهم الراقي وتواصلهم الإيجابي مع كافة القرى المحيطة ببلدتهم.

كل ذلك جعل منها قرية نموذجية، وما “متحف الفلاح اللبناني” الماثل عند تخوم “حمى” البلدة سوى استكمالاً لطابعها القروي المميّز. وهو ما دفع بمجلسها البلدي الحالي إلى ترميمه، ضمن مشروع مموّل من وزارة الشؤون الإجتماعية، وهدفه الحفاظ على تراث البلدة وتأهيلها لتصبح نموذجية ليس في مجال حجرها وبشرها فحسب، بل في مجال السياحة البيئية المرتقبة فيها أيضاً!

IMG-20171019-WA0059

ويتألف متحف الفلاح اللبناني من أربع غرف صغيرة فقط، مفتوحة فيما بينها لتبدو أشبه بغرفة كبيرة من أقسام عدّة. فعند مدخل المتحف لجهة اليمين ثمّة مزرب للمواشي والمعالف المخصّصة لإطعامها، و”قنّ” للدجاج حجري ضمناً، بالإضافة إلى “الكواير” جمع “كوارة” وهي كناية عن خزانة حجريّة مخصّصة للمؤن من الحبوب المتنوعة التي يتم إنتاجها محلياً.

بعد المدخل مباشرةً غرفة الجلوس ومن ضمن أثاثها “النمليّة”، وهي صندوق خشبي مغطّى بشريط حديدي بفتحات صغيرة جداً لمنع الحشرات من التسلّل إلى الأطعمة المخبّأة فيه. وضمن البيت – المتحف غرفة صغيرة تسمّى المخدع، وهي المكان المخصّصة لينام فيه العروسان في حال تزوّج أحد أبناء الفلاح.

IMG-20171019-WA0057

رئيس بلدية إبل السقي سميح البقاعي تحدّث لـ “الأنباء” عن اهمّية المشروع، فوعد بـ “انتهاء اعمال الترميم بعد حوالي أسبوعيْن” وشكر وزارة الشؤون الإجتماعية لـ “تخصيصها مبلغ 25 مليون ليرة لترميم هذا المتحف”. ونوّه البقاعي إلى “أهمية حفظ ذاكرة الأجداد للأجيال المقبلة في سياق الحفاظ على تراث إبل السقي ونمط الحياة القروية القديمة التي لطالما تميّز بها الفلاح اللبناني”، شارحاً أن “ترميم هذا المتحف يأتي في سياق خطّة متكاملة اعدّتها البلدية بغية الإستحصال على إذن من وزارة الزراعة لتولّي مسؤولية “حمى” إبل السقي بعد أن تمّ تصنيفه ممراً طبيعياً للطيور المهاجرة”، كاشفاً أن “لدى البلدية مخطّط متكامل لإنشاء منتجع سياحي بيئي متكامل عند تخوم المحمية، يشمل قاعة للمحاضرات وشاليهات بيئية ومساحات مخصّصة للتخييم والبحيرة المخصّصة لري الطيور المهاجرة وقاعات رياضية”.

IMG-20171019-WA0058

من جهته، لفت عضو المجلس البلدي كمال منذر لـ “الأنباء” إلى ان “متحف الفلاح اللبناني هذا بناه أحد الفلاحين في العام 1970، ثم في العام 1971تمّ تصنيف البلدة “قرية نموذجية”، وتم تصنيف بيت الفلاح كمتحف أثري”. وأكّد منذر أن “الهدف من إعادة ترميم هذا المتحف هو المحافظة على هذا التراث “الإبلاوي” العريق وتعريف الجيل الجديد من أبناء البلدة وزوارها على نمط حياة الفلاح اللبناني قديماً”.

وثمّن منذر جهود بلدية إبل السقي في المحافظة على حمى إبل السقي والسعي لبناء منتجع سياحي بيئي عند مدخلها لتنشيط السياحة البيئية في البلدة وجعلها وجهةً لمحبّي الرياضات البيئية والطيور البرية المهاجرة التي تحط في المحمية بأعداد هائلة أثناء مواسم الهجرة، ما جعل هذه البقعة الحرجية الطبيعية الممر الخامس للطيور المهاجرة عالمياً”.

متحف الفلاح اللبناني في إبل السقي، مشهدية تراثية في غاية الواقعية، تتجسّد في تفاصيلها المحدودة قناعة الفلاح اللبناني القديم وهناء عيشه، رغم فقر الحال وتواضع المسكن والمأكل!

*غنوة غازي – “الأنباء”