عودة المهجرين بين الحكماء وجمعية دفن الموتى/ بقلم خالد العلي

لم اتردد في الكتابة بعد ان تمعنت بقراءة ما قاله وكرره رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل خلال جولته الاخيرة في منطقة عاليه، حيث افتتح مشاريع لوزارة الطاقة فيما يبدو ان وزير الطاقة وزيراً في الخارج او “الخارجية”، ولابد من الإشارة الى الامور التالية:

1 – من موقع متواضع وعلى مستوى بلدة بريح الشوفية التى عانى اَهلها جميعهم (مقيمين وعائدين) من تداعيات التهجير، أقرأ واتفحص كلام الوزير، فأرى فيه خطراً كبيراً على العودة، وفيه أيضاً انني اكتشفت متأخراً بعض الشئ ان معوّقات العودة الكاملة و”المشرّفة” الى البلدة كانت وما زالت وتأكدت انها بسبب مواقفٍ تتماهى مع مواقف رئيس التيار، في حين كنّا نعتقد اننا كأهالي بلدة بريح مقصرين في رفد العودة بمقوّمات صمودها وتطورها ودعمها حتى تتحقق وتستكمل بجهود اَهلها مجتمعين.

2- لم نكن نسمع عن مطالبة بنبش القبور، ربما لأنها تضم رفات اهلنا المسيحيين والدروز، ولأننا آمنا ان استشهادهم جاء ليحصن العودة ويكرس العيش المشترك. ونحن بالتأكيد لن نصدق ان الوزير باسيل كان يقصد غير ذلك..لأنه لو كان…لكنا ظننا انه من يتربص بالعودة ويفشّل المحاولات التى تقام من اجل ترسيخها.

3 – يقول الوزير باسيل “إن الناس متصالحين مع بعضهم دون جميلتنا، وعلاقتهم مع بعض كتير قوية وهذا أساس المصالحة”، ونقول بدورنا له، لماذا إذاً الحديث عن “حق المعرفة ..وحق معرفة أين الأهل وأين عظامهم وترابهم حتى لا تبقى الحسرة”. فطالما نحن كما يقول الوزير متصالحين ماذا يعني نبش القبور غير إعدام للمصالحة ونثر بذور حرب أهلية جديدة تطيح بكل شيء.

4- يعترف الوزير باسيل بتقصير “الدولة” حيال قضية المهجرين لكنه لم يقترح حلاً، ولَم يحمّل نفسه أو فريقه السياسي مسؤولية معالجة هذه القضية، ولَم نسمع عن حل عملي منذ دخول تياره الجارف جنة الحكم، الامر الذي يجعلنا متأكدين ان إثارة هذا الملف ومقاربته ك “الحانوتي” له أبعاد انتخابية تبتز حتى غرائز اهلنا المتصالحين وتعبث برفات أحبائهم.

5 – ان تجربة العودة الى قريتنا بريح تشير الى ان اهلنا العائدين لم يرجعوا لأنهم يريدون ان يتذكروا “… كيف استشهد اهلهم …” كما يدعوهم اليه الوزير باسيل، بل للشروع ببناء بيوتهم – وقد بدأوا – وتجذير قواعد العيش الحر والكريم – وقد شرعوا – بالتعاون بين كل الأهالي، وانجزوا الجزء اليسير من حصتهم في العودة وإعادة الإعمار، والباقي لم ينجز بسبب سياسات الدولة بكل اطيافها وطيف الوزير وتياره واحد منها.

6 – ان الوزير باسيل يقول: “… العودة يجب ان تبدأ بقرار ونحن سنواكبكم وسيكون لكم نواباً يواكبونكم… لنظهر أننا أناس غير مكسورين”. وهذا يعني ان تأخير العودة لسنوات كان بفعل فاعل بانتظار ان يستكمل قوته السياسية والنيابية.. وهي ستتأخر – أي العودة – الى ما بعد انتخابات أيار المقبل .. ولكن ماذا لو لم ينتصر هذا التيار في الجبل – كما هو “الان” – وعلى مستوى لبنان؟ وهل سيصمد من أسماهم بـ “المكسورين” حتى ذلك التاريخ؟ علماً ان حرب لبنان والجبل كسرتنا جميعاً الا اننا أعدنا اللحمة التى يرغب البعض بفكاكها .

7 – يتحدث الوزير باسيل عن ان العودة يجب ان تكون سياسية ويربطها بقانون الانتخاب الجديد. لكننا نتساءل من أعاق العودة السياسية على مستوى القرى، حيث حرصت كل القوى على الشروع بتلك العودة من باب المشاركة في استحقاق الانتخابات النيابية والبلدية، حيث سُجل على هذا المستوى تقدم كبير في المشاركة التى يجب ان تزداد شيئاً فشيئاً لتحقق توازن العيش لا الخضوع لفكرة المنتصر والمهزوم، وقد قطعت بلدة بريح وغيرها من القرى المختلطة شوطاً كبيراً وما نزال بحاجة الى الكثير كي يعبّر عن الواقع المعاش.

8- يتوقف الوزير باسيل عند انعدام وجود بيوت لبعض القرى فيعيد السبب الى ان “العودة لم تتم، كبلدة شرتون مثلا، فيما يتساءل في الوقت عينه لماذا تقام مثل تلك البيوت وحتى الكنائس في قرى لم تكتمل فيها العودة بعد؟.. فهو بذلك يحرض على الشئ ونقيضه، فنحن في بلدتنا ساهمنا جميعاً بإعادة بناء كنائس وبيوتاً لتقام فيها كل النشاطات الاجتماعية والثقافية بقناعة من كل اطياف البلدة ان العودة باتت تحصيل حاصل إنما المطلوب تحصينها.

واخيراً، إن مقاربة ملف المهجرين بهذه الطريقة التى قاربها الوزير باسيل سيجعله خارج خط دعم العودة، حتى لا نقول في خط عرقلتها.  فهذا الملف حساس الى حد حاجته الى حكماء يحولون دون ذهابه مجدداً الى القبور ويواصلون رحلته نحو الضوء والحياة.

*إعلامي