كمال جنبلاط يناقش البيان الوزاري لحكومة الصلح: هذه أسس الإصلاح الإجتماعي

في الحادي عشر من تموز 1944، وقف النائب كمال جنبلاط في المجلس النيابي لمناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس رياض الصلح، وتضمنت كلمته رؤية شاملة للإصلاح المنشود.

“الأنباء” تُعيد نشر كلمته كاملةً تأكيداً على المنهج الإصلاحي الذي حمله المعلم منذ المراحل الأولى لممارسته العمل السياسي وهذا ما ورد في الكلمة:

 كان بودّي أن أتحدث إليكم عن برنامج إصلاحي شامل يمكننا أن نتّخذه أساساً للإصلاح المنشود في هذه المرحلة من سياسة الحكومة الإنشائية ولكني سأقتصر، نظراً لضيق الوقت، على بعض النقاط المهمة:

1-  ضرورة الإصلاح الاجتماعي

تجعل حكومات الدول الراقية الإصلاح الاجتماعي في طليعة برامجها لخطورته في حياة الأمم الاقتصادية والسياسية.. إذ على رفع مستوى معيشة الطبقات العاملة، وعلى تسهيل توزيع الثروات العامة بين أعضاء المجتمع، وعلى ضمان العمل والمعيشة لجميع الأفراد والجماعات يتوقّف لحدّ كبير ازدهار الأمة الاقتصادية ورقيّها المدني وثبات كيانها في الملمات وعلو شأن الرسالة التي تقوم بها في عالم المدنيّة البشرية واقترابها من تحقيق المثل الديمقراطي الأسمى..

وما هذه الحرب الشعواء إلاّ نضال في سبيل تحقيق عالم أفضل بشّرت به براءة الأطلانطي وتطلعت إليه آمال الملايين من البشر في جميع أقطار المعمور..

فيجب على الحكومة اللبنانية أن تشترك جهدها في بنيان هذا العالم الأفضل فتجعل من لبناننا الصغير جنّة ينعم تحت ظلها الجميع بالراحة والبحبوحة والطمأنينة.

2-  أسس الإصلاح الاجتماعي

أ‌-      مقاومة روح الكسل والطفيليّة التي تتفشّى في الشعب اللبناني ولا سيما بين أصحاب العمل والمنتجين. فلا يجوز أن يكون في البلاد رجل بلا عمل، فالمرء خلق للعمل المنتج وللنضال المثمر. فحياة الامة مبنية على التضامن والتكاتف الاجتماعي ويتوجب على كلّ لبناني أن يأخذ قسطه في كفاح المجموع وفي تنمية الثروة العامة وعليه أن يستثمر ملكه لما يعود على البلاد بخدمة المصلحة الكبرى. إنّ فكرة الإنتاج للربح فقط للعوز وسدّ الحاجة يجب أن تزول من عالم يتكاثر فيه البشر وتزداد احتياجاتهم ومطاليبهم.

ب‌-            إنّ الإصلاح الاجتماعي يجب أن يأتي على دفعات متتالية وكلّ دفعة يجب أن تتطلبها الحال فلا تسبق الرغبة، بل تطلبها الحاجة ولا تتقدّم التطوّر الاقتصادي فتخنقه وإنّما عليها أن ترافقه وتسايره وتنمّيه.. فيكون للإصلاح آنئذٍ في حياة الأمّة الأثر المنشود ويأتي بالهدف المقصود ألا وهو ثروة الأمّة بين أفراد البلاد وجماعاتها

ت‌-            يجب أن يكون الإصلاح الاجتماعي- الاقتصادي شاملاً جميع المرافق وإلاّ فهو محاولة فاشلة لا تأتي بالفائدة المتوخاة كما رأينا ذلك في بعض دول اوروبا الغربية قبيل انتهاء هذه الحرب الكونيّة.

3-  ما يتناول الإصلاح الاجتماعي

أ‌-      تدابير وقوانين من شأنها توجّه الملكية الفردية توجيهاً تتطلبه المصلحة العامة.. وهذا يعني مثلاً:

1-  إنشاء خارطة لاستثمار البلاد- كما سبق ونوّهنا- توجّب على كلّ شخص أن يتقيّد في استثمار ثروته..

2-  درس إمكانية ومنفعة تطبيق المادة 19 من القرار 3339 على جميع الأملاك الخاصّة.. ومصادرة الأملاك المهملة وتوزيعها على أبناء البلد المحتاجين.

3-  توجيه الشبيبة توجيهاً قومياً واجتماعياً صحيحاً من شأنه أن يبثّ في صفوفها روح العمل المنتج والشعور بالتبعات والتضامن الاجتماعي.

4-  تشجيع وترويج الجمعيات التعاونية ونقابات المنتجين والعمّال وغيرها من التدابير والقوانين التي لا مجال لذكرها هنا.

4-  تدابير تتعلّق بالعامل والمنتج:

أ- سنّ قانون ينصّ على الحدّ الأدنى لأجر العمّال.

ب-إنشاء التعويض العائلي على أساس صناديق Caisses de ompensationc لأنه بلا هذه الصناديق لا يمكن تطبيق التعويض العائلي كما هي الحالة اليوم.

ج- إيجاد مكاتب تشغيل للعمّال Bureau d’embauchage.

د- سنّ قانون تعويض للعمّال أوسع من القانون المعمول به حالياً.

هـ- التفكير في المستقبل القريب في إنشاء تقاعد للعمّال.

و- بناء مدن “ريفيّة” Cites jardins في ضواحي المدن وبناءات رخيصة الإيجار.

ز- تحديد ساعات العمل وتطبيق راحة آخر الاسبوع Week-end.

ح- درس إمكانية تطبيق مشروع التأمين الاجتماعي للبنان.

ط- تدابير متنوعة تتعلق بحالة المرأة العامل والأولاد العمّال.

ي- سنّ قانون العمل. وقد وعدتنا به الوزارة مراراً ولكنه لم يأت بعد إلى الندوة.

ك- إنشاء رقابة شديدة خاصة على تطبيق قوانين العمّال، لأن هذه الرقابة في الوقت الحاضر غير موجودة وهذا يجعل تنفيذ قوانين العمل صعباً جداً إن لم نقل مستحيلاً.

ل- تنفيذ مشروع الحكومة الإنشائي ووضع مشاريع جديدة للسنوات المقبلة كي نتمكن من مكافحة البطالة التي ستهدد البلاد جدياً بعد الحرب. ونرى أنها بدأت تتفشّى فعلاً اليوم في لبنان.

وإن الإصلاح الاجتماعي نقطة حسّاسة جداً وخطيرة أردت أن أنبّه إليها نظر الحكومة والمجلس الكريم.

5– الطائفيّة

في عرفي أنه ما زلنا في هذا البلد منقسمين شيعاً وفرقاً على اساس الدين لا يمكننا أن نطمح بكيان قومي صحيح موحّد.. إن الكيان الطائفي أصبح اليوم كياناً اجتماعياً وعنصرياً ربما يصعب تهديمه بسرعة.. ولكن لا شيء يمنعنا، ففي السعي لإزالة طابع الطائفيّة تدريجياً: علينا أولاً إلغاء الطائفية من مناصب الدولة الإدارية فيؤخذ الموظفون على أساس الأهلية لا على أساس المحسوبيّة والطائفيّة.. ثمّ نسعى لإلغاء الطائفية من مناصب الدولة السياسية: كرئاسة المجلس النيابي ورئاسة مجلس الوزراء.. وثمّ نلغي الطائفية في تشكيل المجلس النيابي نفسه…

إن إلغاء الطائفية هو خطوة خطيرة في سبيل توطيد استقلال لبنان وكيانه فآمل أن تتقدم الحكومة بمشروع في هذا المعنى عن قريب.

أمّا قضية الثقة:

فإننا رأينا نظراً لتشكيل الحكومة الحالية من بعض أعضاء حياديين ونظراً لوعود الحكومة بوضع حدّ للسياسة الداخلية التي تمشّت عليها الوزارة السابقة واستبدالها بسياسة قومية وإنشائية جديدة في قالبها وروحها وتشجيعاً منّا للحكومة الحالية للمضي بالإصلاح الداخلي وتثبيتاً لما عرف عنّا من التجرّد، إذ ليس لأحدنا أيّ مطمع شخصي أو أهداف صغيرة وأننا نعتبر المصلحة العامة فوق كل شيء. فإننا سنمهل الحكومة الجديدة لدورة تشرين مرحبّين بالوجوه الجديدة التي تطل بها هذه الوزارة على البلاد.

*المصدر: كمال جنبلاط، “آراء وكلمات في البرلمان اللبناني المستدرك” (الجزء الثالث)، الدار التقدميّة ص: 9-12.