الجبل هو لبّ لبنان … وصية المعلم من الابن الى الحفيد

قال كمال جنبلاط للتاريخ، إن الجبل هو لبّ لبنان، وإذا ما فسد اللبّ فسد البلد. كان المعلّم وبعده وليد جنبلاط، الأحرص على الجبل، وعبره على كلّ لبنان، كان همّ الرجلين في حقبة الحرب الأهلية، إبعاد شبحها عن جبل لبنان، لأن اشتعالها في الجبل، يعني أن الأتون مستحيل إخماده.

هناك من يحيى على فتات التاريخ، يريد الإستثمار بما لا يتلاءم مع هذه النظرة، ويعيد تأجيج الخلافات لكسب كل ما هو بائد، هنا تختلف النظرة بين آل جنبلاط وغيرهم من الساسة في مقاربة الملفات الهامة.

ينتقد وليد جنبلاط على تغيير مواقفه، لكن الإنصاف يقضي بتوصيف موضوعي لتغيير هذه المواقف، التي ليست إلا انعكاساً لمتغيرات أكبر، بمعنى أنها لا ترتبط بحسابات ضيقة ومصلحية آنية، في الأساس يتماهى جنبلاط مع المتغيرات، للحفاظ على الوجود، وعلى التنوّع ضمن الوحدة، وعلى العيش المشترك، الذي يكلل الجبل، هو ليس كغيره، يرفع شعارات الحفاظ على الوجود من ضمن سياسات عدائية أو هجومية من شأنها نبش القبور ومواضيها. هنا جوهر الإختلاف، الهمّ لدى آل جنبلاط تأبيد الجبل بكيانيته وكينونته، مقابل من يسعى إلى إبادة روحية الجبل، لتأبيد المواقع.

شتان بين من يحول النعش إلى عرش، ومن لا يرى في طريقه للوصول إلى العرش سوى النعش. الجبل بالنسبة إلى جنبلاط، هو الوحدة الذي تتبلور فيها، وتتشابك وتتعانق فلسفات وعقائد ومدنيات متنوعة ومتعاكسة. لكنها لا تخرج عن إطار المساواة، ولا عن إطار تكوين روح المحبة والعدالة، لتأسيس تكوين روحية الفرد والمجتمع. وهي المسؤولية الكبرى التي تقع على كتفي تيمور جنبلاط، في ديمومة الإستمرار السياسي.

هذا ما سترتكز عليه رسالة تيمور جنبلاط كنائب، علماً أنها تتخطى مسألة النيابة، يحمل وصية جدّه، ورسائله لأجل لبنان، ويكتسب من خبرة والده وواقعيته وتجربته، للإنطلاق مجدداً، على قاعدة الدخول في المستقبل، من بوابة التاريخ والإستفادة منه، لا جعله صنماً في هيكل الأصنام التي تُعبد. هنا سيختلف تيمور الشاب، الجامع في ثقافته بين المشرقية والمغربية، عن أبناء جيله في حقل سياسة الناس وأحوالهم، بصمت الثائر، وعمل الكادح، وتشريع المفكر، وفي مجال أبعد ما يكون عن التطيف والتمذهب، على قاعدة الإنتماء إلى فكرة، أساسها يوصّف الوجود المشرقي بطير، تشكّل مختلف الديانات ريش جناحيه.

رسالة جنبلاط الشاب الأساسية سترتكز على وصايا المعلّم، بتزعم فكرة التقدم، والدعوة لتحقيق مبادىء المساواة والاخوة والتضامن في الاقتصاد، وفي الاجتماع والسياسة، وهذه في أساسها عنوان للالتزام بالمسؤوليات السياسية، وما يرتبط بها من توفير ما يحتاجه المجتمع، بجرأة تحمّل المسؤولية، وليس بإحالة التدهور والترّهل المجتمعيين على الآخرين، والإرتكاز على مبدأ المظلومية والإدعاء النضالي لتكوين الشخصية السياسية أو الحيثية السياسية.

إن التكوين الأساسي للقائد السياسي، يرتكز على مبادرته، وما ينطلق منه إلى تحقيق ما يصبو المجتمع إليه، في التربية والتنمية، وفي تعزيز الحرية والديمقراطية، والتي وحدها تنتج مصالحات وركائز عيش مشترك. ولأن جوهر الرسالة كذلك، فإن كل المواقف الأخرى، سواء لدى الأقربين والأبعدين، لن تكون محطّ اهتمام أو ردود، فالعمل يرتكز على جدّية العامل، وليس على لسان “الردّاد”، وبما أن الحياة إنتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء، فإن القوة تكمن في صمت الجواد، لأن اللسان حصان، ومن صانه صان، ومن خانه خان. فالصمت أبلغ من الكلام الآن، وغداً للعمل، لاستيلاد نمط سياسي إنساني جديد، يتحرر من كل التصورات الموروثة أو المعلّبة، يتخطى الشعبوية، يتعدّى الحواجز، ويعمل لتعزيز مفهوم الذات الإنسانية، التي تفرضها السياسة، كما ترفض الإستثمار في الناس، كل أربع سنوات.

ربيع سرجون – الأنباء