القوات التركية في إدلب بين “خفض التوتر” ومحاصرة “عفرين”

أعلن الجيش التركي، إقامة مراكز مراقبة في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا. ويأتي التحرك بعد دخول عشرات الدبابات والمدرعات التابعة للجيش التركي محملة على شاحنات، ولا يشكل التحرك في إدلب أول توغل للجيش التركي في سوريا، فقد تدخل العام الماضي، لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” في محافظة حلب وإبعاده عن الحدود، مدعوما من فصائل المعارضة السورية في عملية عرفت بعملية “درع الفرات”، واستهدف أيضاً منع وحدات حماية الشعب الكردية من السيطرة على مزيد من الأرض. بعد أن سيطرت على أجزاء كثيرة من شمال شرق سورية بدعم من الولايات المتحدة في معركتها ضد “داعش”، حيث تخشى تركيا من ربط هذه المنطقة بتلك التي تسيطر عليها في عفرين، وتعتبر القيادة التركية “وحدات حماية الشعب الكردي” امتداداً لميليشيات حزب العمال الكردستاني الذي يقاتل في تركيا وتصنفه منظمة إرهابية.

نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية، بكير بوزداغ، قال في مقابلة تلفزيونية، إن هدف عملية إدلب هو منع النزوح إلى تركيا والقضاء على تهديد هيئة تحرير الشام ومنع تسلل المنظمات الإرهابية إلى تركيا، وإقامة مناطق خفض تصعيد في المحافظة تطبيقاً لمخرجات اتفاق أستانا، القاضي بضم المحافظة الى مناطق “خفض التوتر” ومنع نشوء “الممر الإرهابي”.

وأضاف أن تركيا منزعجة من سيطرة “وحدات الحماية الكردية” على عفرين، لكن من السابق لأوانه الحديث عن عملية عسكرية فيها. وسبق أن أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أن بلاده تناقش مع كل من روسيا وإيران إقامة منطقة لخفض التصعيد في عفرين، قبل أن يعود الرئيس رجب طيب أردوغان إلى القول بأن تركيا قد تشن عملية عسكرية واسعة فيها، لمنع تشكيل “ممر إرهابي” يصل مناطق سيطرة الأكراد شمال سوريا بالبحر المتوسط.

بدورها أعلنت رئاسة هيئة أركان الجيش التركي أن وفداً من الضباط الأتراك قام بمهمة استطلاعية في إدلب الأحد الماضي. وقالت مصادر ميدانية إنه دخل في حراسة آليات وعناصر من “هيئة تحرير الشام – جبهة النصرة سابقاً” عبر معبر أطمه الحدودي باتجاه مدينة دارة عزة، حيث قام بجولة ميدانية لتفقد عدد من النقاط القريبة من المدينة ثم عاد إلى الأراضي التركية.

قيادي في الجيش الحر أوضح في اتصال مع “الأنباء”، إلى أن أولوية فصائل المعارضة في إقامة منطقة “خفض التوتر” في  إدلب “مبنية على المصلحة العامة والإنجاز بأقل الخسائر والتكاليف، مادام بالإمكان حقن الدماء وتطبيق المراد”، وكشف رئيس المكتب السياسي في “لواء المعتصم” مصطفى سيجري، “أن الأولوية هي حماية المدنيين من القصف والقتل والتهجير الممنهج، بدعوى الحرب على الإرهاب، ووضع نقاط مراقبة للقوات الخاصة التركية في إدلب ومحيطها، مشيرا إلى أن ذلك، “يعطي شيء من الحصانة للمنطقة ويمنع الطيران الروسي والاسدي من العربدة”.

‏وأردف بأن هدف المعارضة أيضا هو “إعادة انتشار الجيش الحر وتمكينه من فرض السيطرة على كامل المنطقة وقطع الطريق على القوى الخارجية الساعية لإقامة إقليم كردستان سوريا”، بالإضافة إلى “حل تنظيم جبهة النصرة وإنهاء الحقبة السوداء التي تسببت بكوارث ومصائب متتالية بحق ثورتنا، والانتقال من مرحلة الدفاع الى الهجوم”.

وكان سبق أن خاض مقاتلو “هيئة تحرير الشام” وعناصر عملية “درع الفرات” قتالاً ضد بعضهم بعضاً. وقاتلت “هيئة تحرير الشام” أيضاً فصائل أخرى من المعارضة المسلحة في إدلب والمناطق المحيطة بها في مسعى لتعزيز سلطتها، قبل أن تعمل المخابرات التركية على استيعاب الهيئة وابعادها عن تنظيم “القاعدة”، ومصالحتها مع فصائل الجيش الحر.

وفيما يعتبر عدد من المراقبين المؤيدين لتركيا أن تمركز وحدات من الجيش التركي في عدد من النقاط في إدلب يندرج ضمن سياق عملية عسكرية تم الاتفاق عليها في محادثات “الأستانة 6” وفق ما أعلنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بهدف إدخال محافظة إدلب ضمن مناطق “خفض التوتر” المتفق عليها بين الولايات المتحدة – وروسيا، فيما يرى البعض الآخر أن معركة إدلب هي جزء من عملية توزيع نفوذ للقوى الإقليمية على سوريا، بهدف تحصين مواقعها استعدادا لأي تسوية سياسية شاملة قد تدخل بها المنطقة.

ويعتبر المراقبون أن حصول تركيا على موطئ قدم في “تلة الشيخ بركات”، التي تطل على منطقة واسعة من شمال غربي سوريا، يسيطر عليها مقاتلو المعارضة وأيضاً منطقة عفرين التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، يمكن قواتها من تطويق “عفرين” من ثلاث جهات، ما يعني عملياً قطع الطريق أمام وصول القوات الكردية الى البحر المتوسط وإعاقة ربط المناطق الكردية بعضها ببعض، تحت حجة إقامة مناطق خفض توتر في إدلب، حيث منعت تركيا من الدخول سابقاً الى منطقتي منبج وعفرين بسبب الضغط الأميركي.

ويرى المراقبون أن تنفيذ العملية في إدلب لها ابعاد تتجاوز “خفض التوتر”ومحاربة “جبهة النصرة” كما هو الحال في مناطق خفض التوتر المماثلة، فتركيا وبعد استفتاء كردستان العراق باتت أكثر تشدداً وحذراً تجاه الحراك الكردي في سوريا، وهذا ما أشار إليه الرئيس التركي في أكثر من موقف حيث قال: “هناك محاولات جادة لتأسيس دولة كردية على طول الحدود الشمالية لسوريا، وأنه في حال التزمت أنقرة الصمت حيال ذلك، فإن تلك المحاولات ستتحقق”، واصفاً العملية العسكرية في إدلب بأنها “مسألة أمن قومي”، معتبرا أن “الأراضي التركية قرب الحدود مع سوريا ترزح تحت التهديد”.
ما يعني أن تركيا بعد استفتاء كردستان العراق، باتت مضطرة عرقلة قيام ما تعتبره بمثابة “الحزام الإرهابي المراد تأسيسه من أقصى شرق سوريا إلى البحر المتوسط”،  فهي ألمحت إلى أن وجودها في إدلب قد يستمر طويلا، وأنها ستعمل على الحفاظ على وجود مستقبلي هناك. حيث أعلن وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي، “إن العملية العسكرية في إدلب ستستمر حتى وقف التهديدات القادمة من سوريا باتجاه تركيا”.

في سياق آخر يتصل بإقامة مناطق “خفض توتر” جديدة في سوريا، نجحت المخابرات العامة المصرية وبعد أشهر من المفاوضات المتقطعة، المباشرة وغير المباشرة، وبالتنسيق مع القيادة الروسية، من رعاية اتفاقا لوقف إطلاق النار في جنوب العاصمة السورية دمشق، اعتبارا من فجر اليوم الجمعة.

ويتضمن الاتفاق، الذى وقعته فصائل “جيش الإسلام” و “جيش الأبابيل” و”أكناف بيت المقدس”،”استمرار فتح المعابر في جنوب العاصمة دمشق لدخول المساعدات الإنسانية ورفض التهجير القسري”.

مسؤول الهيئة السياسية في “جيش الإسلام” محمد علوش، أوضح “أن الجانب المصري تعهد بفك الحصار عن الغوطة الشرقية لإدخال المساعدات بكميات كافية”. وكانت المخابرات المصرية قد نجحت في 31 تموز الماضي من ابرام اتفاق بين فصائل مختلفة من جهة وقوات النظام من جهة أخرى وبضمانة روسية، وموافقة سعودية، لوقف إطلاق النار، انضمت إليه مدن رئيسية في ريف حمص وهي تلبيسة والرستن والحولة، إضافة إلى 84 بلدة يقطنها أكثر من 147 ألف نسمة. التي انضمت لاحقا الى منطقة خفض التوتر في حمص، حيث رفضت تلك الفصائل المشاركة في مؤتمر الأستانة لوجود الممثل الإيراني فيه، ما أتاح للمخابرات المصرية لعب دور الوسيط بتوجيه سعودي وموافقة روسية.

*فوزي ابو ذياب – “الأنباء”