ازدواجية لا حل لها!

جليل الهاشم

روى أحد المواطنين العرب في لبنان أنه زار مدينة جنوبية قبل أشهر وفوجئ بعمرانها وبكثافة الأبنية الحديثة فيها و عدد القصور والفيلات المنتشرة على روابيها ودهش للطرقات الحديثة المسفلتة وجدران الدعم التي تحيطها. الا انا ما اثار دهشته أمرين الأول: هو ان تلك المدينة شبه فارغة من سكانها والامر الثاني ان لا عامود كهرباء فيها ولا سقف منزل يخلو من لافتات كتب عليها الموت لاميركا.

سأل الرجل مضيفيه كيف بنيت هذه المدينة الحديثة خصوصاً بعد الدمار والحروب الإسرائيلية على الجنوب وما تعرضت القرى والمنازل من قصف ودمار فقالوا له إن الهبات الخليجية خصوصاً القطرية منها تولت إعادة اعمار ما هدمته الحروب وبشكل خاص حرب تموز 2006 وتوزعت هذه الهبات على البلديات والافراد والزعامات وكل الجهات التي قالت ان لها علاقة بالجنوب.

الحدود اللبناني

وطرح المواطن العربي سؤالاً ثانياً ولكن اين الأهالي الذي يرددون بهذا الاجماع الموت لأميركا ويرفعون هذا الشعار على منازلهم الحديثة فقالوا له غالبيتهم مهاجرة إلى اميركا وهم لا يزورون بلدتهم الا قليلاً ولبضعة أيام خلال فصل الصيف ومن تبقى منهم هنا ولم يحصل على الجنسية الأميركية يسافر إلى بلاد العم سام سعيا وراءها أو وراء معاش شهري هو بمثابة تقاعد على حساب الشعب الأميركي.

دهش الرجل وسرد ما جرى معه أمام أصدقاء اخرين فاكتشف ان “الشيزوفرنيا”  التي اكتشفها على الأرض موجودة لدى كثيرين ومنهم من يقدم نفسه عدوا النظام الرأسمالي العالمي فيختار نظام وينحاز بشكل أعمى الى جانب روسيا ما بعد السوفيات ضد الاميركيين لمجرد انهم اميركيين ومنهم من يدعي العلمانية والتقدمية والحداثة ويطالب بفصل الدين عن الدولة ثم يلتحق بنظام ديني منغلق كي لا نقل ظلامي ومنهم من يتحدث عن القومية والوحدة العربية ثم يترجمها بالتنظير لأممية إسلامية وينظر لضرورة استعادة الخلافة ولو كانت عثمانية.

أصيب المواطن العربي الزائر بيأس شديد خصوصاً وإنه كان يعتبر لبنان واللبنانيين منارة للنهضة في العالم العربي وخلص إلى أن ما سمعه وشهده لا يشير بالخير فأبلغ مضيفه أنه بدوره مهاجر إلى اميركا وهو بات اشد تمسكاً بجوازها او بطاقة هويتها.