مع شوقي الحاج أتهجى طريق الرجوع

مع شوقي الحاج أتهجى طريق الرجوع، أحمل عبء الزمن المر، وأسير في نعش الآتي. أتسلق كفن الذكرى، أطوي ذاكرتي وقصاصات لا زالت في جيوب الريح، يمحوها رمل المسافات بين ورق اخضرّ على يديك يا صديقي، يوم كنت تغامر وحدك او مع قلة قليلة في مهنة الشقاء والتميز، وشاشة صغيرة رسمنا خطوطها سويا دون عناء الحبر أو جلد الذات بمشنقة الوقت.
يوم كنت ترسل اوراقك المضمخة بحبر التعب، وفيلم صغير يحتاج تظهيره إلى قطع مسافات تقطع الانفاس، فيما بريدك الالكتروني منذ اقل من عقدين من الزمن خفف الوطء عليك ولم يخفف حماستك لصناعة الخبر وتظهيره بأبهى مظهر.
نعم يا شوقي كنت تصنع الخبر والآخرون ينتظرون ذات صباح جريدة “السفير” ليقرأوا صنيعك المتقن وخبزك اليومي فيها. وحين صرت أنت الخبر طوت “السفير” صفحتها ومضت الى مكان لا يحمل اسمك الياقوت، ولا خبر رحيلك المفجع.  كنت تكتب الخبر، صرت أنت الخبر، كنت تعكس حديث الناس وتفتح قلبك لقضاياهم، صرت انت حديث الناس، يتهامسون لا يصدقون يكتبون رحل شوقي الحاج.
غاب القلم ولم يغب الصحافي الألمعي المحفور في ذاكرة راشيا والبقاع الغربي، الساكن في حنايا القلوب، بأنسه وحسه وضوئه الشفيف، ولباقته وصراحته وثقافته، غاب الرجل وبقي شوقي الانسان بطيفه اللطيف، بقيت رجولته وشجاعته بكبرياء مواقفه، يوم أطلق عليه مدير مكتب رويترز في لبنان “كبير المراسلين” ابان متابعته اليومية للاعتداءات الاسرائيلية على جنوب لبنان والبقاع الغربي وراشيا، ومواكبته ساعة بساعة ليوميات الفدائيين الفلسطينيين المبعدين الى مرج الزهور.
مع شوقي الحاج امتهنت سفر الصحافة، أمسك بيدي فأمسكت بمعصم أستاذ محب غيور على الحقيقة وعلى بلوغ الفجر واضاءة النهار. تزاملنا وتلازمنا طويلا، طوينا المسافات فطوتنا الدروب، وأذكر حبرا أسود سال ذات ليال طوال، وأكثر ما يحرث ذاكرتي عدوان الكيان الصهيوني في حرب تموز في العام 2006  حينها قصفت طرق عبرناها سويا نحو الحقيقة نجونا معا وكنا معا في ملاحقة الحفر التي زرعت في الشوارع، يوم قصفت قافلة الابرياء في كفريا.
واذكر ايها الصديق سجائرك الكثيفة واللطيفة في آن، دخانها الصاعد كنغم يتمدد ثم يتقرمد، وانت تصعد الى سماء اخرى، فتترك خلفك كل شيء، ترجل وحيدا الى حيث لا قلم يشغلك ولا قراءة في الجريدة. أضناك التعب فلم تسترح يوما، وانت المنشغل بهموم الناس، المجبول بعرق الحقيقة وملاحقة اقل جزيء فيها، أضناك التعب فانتصرت عليه بالكلمة الحرة والرأي السديد وبحب الناس وبلسمة جراح الاطفال والمتعبين المقهورين نازحين ومقيمين، كنت ثائرا ومسالما في آن، وأنى لنا بمثلك انسان،  انهكك المرض واجهته بفرح انتصرت على جبروته، غالبته فغلبك في نهاية الطريق لكنك نسيت أن تموت، نسيت أن تكتب السطر الأخير، ونحن لا نزال ننتظر وسنبقى ننتظر سفر كلماتك الشفافة الصادقة  العميقة الهادئة، سننتظر على حافة الطريق كلما هبت رياح أو جاع النهر.
تغيب أيها الحبيب وانت زنبقة هذا العمر المتعرج اللاهث المقهور. تغيب تترجل، تنأى ترحل الى عالم آخر،  يبقى طيفك يضيء المكان،  تبقى جرحا يتدفق في نهاراتنا وليالينا، تنسج لنا عباءات الدفء والحب، وتكتب بماء وجهك المتعب عبارات الزمن المر.
أن تكتب حبرا أو يكتبك الحبر، ربما لا فرق، فهنيئا لمكان تذهب إليه راضيا قانعا  شجاعا مؤمنا صادقا صابرا على الألم، وأنى لنا مزاياك يا حبيب الروح وشيخ الكلام والحضور البليغ.
برحيلك يا “شواقة” كما تناديك زوجتك وبناتك المحبات تطوي عين عطا بلدة السنديان صفحة مشرقة في تاريخها الحديث، لكنك ستبقى فيها وفي ذاكرتنا وقلوبنا” شوقي الحاج” هكذا دون ألقاب، كأسماء السنديان، تتسلل من ثقوب الروح لتستقر في قاع الاعماق مستعمرا قلوبنا، ولا نحبذ التحرر من هذا الاستعمار .

(الانباء)