التحرشّ الجنسي “جريمة”.. وصمتِك جريمة أكبر!

يُعتبر التحرش الجنسي، بكافة أشكاله الكلامية وغير الكلامية، السلمية والعنفية، واحدة من أكبر المشكلات التي كانت ولا تزال تواجه المرأة بصورة عامة، والمرأة الشرقية بصورة خاصة، لما له من تداعيات نفسية وصحّية قد تقلب حياتها رأساً على عقب!ويُعتبر السكوت عن “جريمة” التحرّش الجنسي أول وأعظم أخطاء المرأة تجاه نفسها بالدرجة الأولى ومحيطها بالدرجة الثانية، كونه يعتبر عاملاً مشجّعاً للمتحرّش للمضي والتمادي بـ “إجرامه”. غير أن العادات والتقاليد الشرقية، والمحاذير الإجتماعية الموروثة وما يرافقها من أحكام نمطية لطالما تحكّمت بسلوكيات المرأة، كلّها عوامل كانت ولا تزال تدفع بالمرأة ضحية التحرش للصمت، مع ما يرافق ذلك من شعور بالذنب وانعدام الثقة بالنفس وسلوكيات لاإرادية غير مبرّرة أحياناً!

يضاف إلى هذا الواقع في لبنان غياب القوانين التي تجرّم التحرّش وتفرض عقوبات على مرتكبيه. فتجريم التحرّش ليس وارداً قانونياً في لبنان بعد، ما يوحي بأن التحرّش أمر عادي أو بسيط، خصوصاً في ظل ضعف التوعية الحقوقية للمرأة اللبنانية، حتى سنوات قليلة مضت، حيث بادرت هيئات مختلفة إلى إعداد واقتراح مشاريع قوانين تجرّم التحرش الجنسي في الأماكن العامة وفي أماكن العمل، وآخر هذه المقترحات مشروع قانون مقدّم من وزير الدولة لشؤون المرأة بعد الأخذ بتوصيات وملاحظات جهات كثيرة من وزارة العمل ومجلس الخدمة المدنية واللجان التشريعية المعنية وغيرها، بانتظار التصويت عليه في مجلس النواب.

 0

ما هو التحرش الجنسي؟حسب التعريفات العلمية، التحرّش الجنسي هو أية صيغة من الكلمات غير المرحب بها أو الأفعال ذات الطابع الجنسي والتي تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما وتجعله يشعر بعدم الارتياح، أو التهديد، أو عدم الأمان، أو الخوف، أو عدم الاحترام، أو الترويع، أو الإهانة، أو الإساءة، أو الترهيب، أو الانتهاك.

ويشكل التحرش الجنسي ضرباً من ضروب العنف المادي او المعنوي الذي يتخذ اشكالاً مختلفة، ولا سيما بالأقوال او الأفعال او الإيحاءات ذات الطابع الجنسي، الشديدة التأثير على كرامة سائر الضحايا، ولا سيما النساء والفتيات منهم، اما اسوأ الأفعال فتلك التي تقع على الأشخاص الذين هم في موقع الضعف الإجتماعي او المهني او الوظيفي، ولا سيما في اطار الوظيفة العامة او العمل الخاص، مثال بين موظف واخر تابع له او بين صاحب عمل وموظف، او بين متولي وظيفة حرة واحدى الزبائن.

صمتِك جريمة!ليس التحرّش مشكلة النساء الشرقيات أو العربيات وحدهنّ، بل هو مشكلة المرأة في كل زمان ومكان. لكن الفارق يكمن في مستوى الوعي والمظلة القانونية. ففي الكثير من البلدان الغربية وبعض البلدان العربية كمصر مثلاً، يعتبر التحرش الجنسي جريمة يعاقب عليها القانون، على عكس لبنان الذي لم يلحظ التحرش كجريمة في قوانينه حتى الآن!

وفي الكثير من البلدان، يتمّ تمكين المرأة نفسياً وكلامياً وجسدياً بحيث يمكنه الدفاع عن نفسها في حال تعرّضها لأي من أشكال التحرّش. أما في لبنان، فما زال صمت المرأة مأثوراً، مراعاةً للعادات والتقاليد الشرقية وانسجاماً مع مفاهيم خاطئة حول شرف المرأة وكرامتها وأنوثتها بشكل عام.

ولعلّه من المفيد ههنا استعراض بعض الآثار النفسية لجريمة التحرش الجنسي، حيث أكّدت المعالجة النفسية نورا عامر لـ “الأنباء” أن “التحرّش الجنسي يترك لدى المرأة شكّاً بذاتها، وشعوراً بالذنب تجاه سلوكها او طريقة لبسها مثلاً، كما أنه يصيبها بشعور بالعجز عن وضع حد لما تتعرّض له، وشعور كبير بالعيب والإهانة والإحباط النفسي وفقدان الثقة بالنفس”، وأشارت إلى أن “لهذا الأمر انعكاس جسدي من ظواهر تقيّؤ وتعب وألم في الرأس والعضلات، ومشكلات في النظام الغذائي العام”.

4

عامر استنكرت تفاعل المجتمع السلبي مع النساء ضحايا التحرش الجنسي ما يدفع المرأة لالتزام الصمت وعدم الحديث عن الموضوع خصوصاً أنها تعرف سلفاً ان المحيط سوف يلومها”، متأسّفةً لـ “استمرار التعاطي الخاطئ مع قضيّة التحرش، حيث تُمنع بعض النساء من العمل لتفادي إمكان تعرّضها للتحرّش أو لأخذ تدابير أخرى تضييقية على المرأة بغية معالجة التحرّش بدل الذهاب لمعالجة المشكلة نفسها”، مشددةً على أن “هذا الواقع يحمّل المرأة أعباء نفسية إضافية”.

وإذ نوّهت عامر إلى أن “الفكرة الأساسية في كل قضايا المرأة هي وعيها بحقوقها وتمتّعها بجرأة القول والإفصاح عمّا تواجهه”، دعت لـ “تسمية الأشياء بأسمائها، وتعليم المرأة سبل الدفاع عن نفسها من كافة أشكال العنف الجسدي والنفسي، ومنها التحرّش الجنسي المباشر والتحرش الكلامي”، مشددةً على ضرورة “تنظيم ورش عمل هدفها تقوية الثقة بالنفس للمرأة وتعليمها أساليب الدفاع الكلامية والجسدية”.

أخيراً فإن حماية المرأة هي المقدّمة الأسلم لحماية المجتمع، وهي مسؤولية مشتركة بين المرأة نفسها أولاً، والمجتمع الأهلي والمدني ثانياً، والدولة أولاً وأخيراً. فهل يبادر نوابنا الأفاضل إلى حماية المرأة من أبشع الجرائم التي تتعرّض لها يومياً من البيت إلى الشارع إلى مراكز العمل؟ أم أن بينهم بعد من يظنّ التحرّش مسألة بسيطة؟!

غنوة غازي – “الأنباء”