قراءة في قرار المجلس الدستوري المتعلق بالقانون رقم 45/2017

فريد محمود

صدر قرار المجلس الدستوري حول الطعن المقدم بالقانون رقم 45/2017 وتضمن في الفقرة “ثانياً” مسألة فرض ضريبة من خارج الموازنة العامة، واعتبر القرار أن هذا الأمر غير جائز دستورياً، مستنداً إلى نص المادة 83 التالي نصها: “كل سنة في بدء عقد تشرين الأول تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بنداً بنداً”، كما على المادة 57 من قانون المحاسبة العمومي “عدم جواز عقد نفقة، الا اذا توافر لها اعتماد في الموازنة”.
المعروف أن تفسير النصوص القانونية يجب أن يعتمد على أسس معينة، وقد يكون أهمها، ربط النص القانوني ببعضه وعدم تفسير كل فقرة منه منفردة، إضافة إلى أن التفسير يجب أن يكون في سبيل إعمال النص لا تعطيله.
صحيح أن المادة 83 من الدستور أقرت على شمول الموازنة نفقات الدولة ودخلها، ولكن الصحيح أيضاً أن المادة 81 تنص: “تفرض الضرائب العمومية ولا يجوز احداث ضريبة ما وجبايتها في الجمهورية اللبنانية إلا بموجب قانون شامل تطبق احكامه على جميع الأراضي اللبنانية دون استثناء.”
كما أن نص المادة 82 يقرر: “لا يجوز تعديل ضريبة او الغاؤها إلا بقانون.”
المادتان المذكورتان لم تتناول الموازنة ولم تشر إليها لا من قريب ولا من بعيد، وعليه فإن الموازنة وإن كانت تقرر نفقات الدولة ووارداتها عن سنة قادمة إنما لها دور آخر لا يقل أهمية عن مسألة الأرقام، لا بل إن مسألة الأرقام هي لخدمة الدور الآخر للموازنة، ولسنا هنا بوارد تناوله. المهم بالأمر، بحسب المادتين المذكورتين 81 و82 يجوز فرض الضرائب من خارج الموازنة إنما بقانون صادر عن مجلس النواب، والأمر واضح جداً لا يقبل اللبس.

يتابع القرار في الفقرة عينها حول مبدأ شيوع الموازنة “…. وبما أن مبدأ الشيوع هو القاعدة والاستثناءات عليه محدودة جداً، فيجري في بعض الحالات تخصيص ضرائب ورسوم لتغطية نفقات ذات صلة بالأمور التي فرضت عليها هذه الضرائب والرسوم تحديداً، أو نفقات تتعلق بالتنمية المحلية….”

هنا نسأل، من يقرر حالات الاستثناء؟ وهل ما وصلت إليه الأمور في التعاطي مع القطاع العام ومستوى معيشة الموظف حالة استثنائية أم لا؟
وهل وضع العام الدراسي في مهب الريح بانتظار موازنة تأخرت 17 عاماً (والحبل على الجرار، بانتظار قطع الحساب) حالة استثنائية أم حالة طبيعية؟

المجلس الدستوري
يتابع المجلس الدستوري في قراره ويتناول المادة 11 من القانون المذكور المتعلقة بالاملاك البحرية ويعتبرها مادة تتضمن نص طويل وغير واضح.
هل طول أو قصر النص يجعله مخالف للدستور، بصرف النظر عن منهجية التشريع؟ إن دور المجلس الدستوري مراقبة دستورية القوانين، كما ذكر القرار عينه مستنداً الى المادة 19 من الدستور.

بالتالي يبقى السؤال، طالما أن المجلس الدستوري أبطل القانون المذكور برمته، لماذا نتاول المادة 11بعينها (المتعلقة بالأملاك البحرية)؟ اعتقد لنا أن نسأل.

هل اختلط الأمر بين ما يسمى بفرسان الموازنة وبين القوانين الضرائبية التي يمكن أن تأتي من خارج الموازنة؟ وهل غاب عن المجلس الدستوري أن الموازنة سنوية أما الضرائب فهي دائمة؟

نص المادة 26 من قانون المحاسبة العمومية، الذي استند اليه المجلس الدستوري في قراره الفقرة ثانياً، واضح:

“يتألف قسم الواردات في الموازنة من جزئين:
…..
وتتألف الواردات الاخيرة من:
1- مأخوذات من مال الاحتياط.”
2- الواردات التي تخصص او تحدث بقوانين خاصة.”
عندما طعن رئيس الجمهورية السابق بقانون التمديد للمجلس النيابي أمام المجلس الدستوري، أقدم رئيس المجلس الدستوري على إعداد تقرير حول الطعن المقدم ودعى أعضاء المجلس الى عقد جلسة وأبلغهم خلالها أنه أنهى التقرير، بينما الأصول القانونية تقضي بأن يدعو الرئيس إلى جلسة ويكلف المجلس أحد أعضائه بإعداد التقرير. هذا الأمر أثار حفيظة أعضاء المجلس مما دفع بالبعض منهم إلى مقاطعة الجلسات المخصصة للبحث بالطعن المقدم من فخامة الرئيس السابق، واتهموا يومها بأنهم يعطلون دور المجلس الدستوري لمصالح سياسية، وتحمل هؤلاء الأعضاء حينها تلك الاتهامات بغية الحفاظ على سمعة المجلس الدستوري.

رئيس المجلس الدستوري استعجل الأمر حينها كون الطعن ورد من فخامة الرئيس، فهل أن النص على مخالفة دستورية في القرار الأخير للمجلس الدستوري، من خلال اعتبار أن الضريبة يجب أن تأتي ضمن الموازنة فقط هو تكرار للتاريخ الحديث للمجلس الدستوري؟ أم لفت نظر لم يكن موفقاً في صياغته فأتى التعبير مخالف للقصد؟ أم خطأ مطبعي قضى بإضافة هذه الفقرة؟

هذه الأسئلة يجب الإجابة عليها من قبل المجلس الدستوري، أو من قبل بعض أعضائه على الأقل، إذا ارتضوا الإجابة والإيضاح.

(الأنباء)