“زمن الإنحطاط في الشرق”.. ندوة فكرية في بعلشميه

بعلشميه- “الأنباء”

أقامت جمعية “لمة أصحاب” ندوة فكرية بعنوان: “زمن الإنحطاط في الشرق جذوره، مظاهره وتداعياته”. حاضر فيها صاحب ومؤسس جريدة السفير الصحافي طلال سلمان، الدكتور والمؤلف مروان أبو لطيف، وشارك فيها أيضاً المهندس مازن عابد، بدعوة من “المنتدى الاهلي الإجتماعي” في بيت بلدة بعلشميه العام.

حضر الندوة النائب اللواء انطوان سعد، رئيس الأركان السابق في الجيش اللبناني اللواء شوقي المصري، رئيس مركز الدراسات والبحوث بالجيش اللبناني العميد الركن فادي ابي فراج، الباحث والأديب المهجري أسعد زيدان، رؤساء بلديات ومخاتير، مدراء مدارس وكتاب وفاعليات إجتماعية وروحية وجمع من بعلشمية والجوار وعدة مناطق لبنانية.

خداج

بعد النشيد الوطني رحبت بالحضور رئيسة المنتدى الاهلي الاجتماعي عايدة خداج أبي فراج وخصت بترحيبها الصحافي العريق طلال سلمان مستذكرة محطات من صداقته مع زوجها المفكر الراحل عفيف ابي فراج، ونوهت بإهداء جريدة السفير الكتاب العاشر بعنوان “حول المفكر عفيف ابي فراج” من جريدة السفير إلى صديق العمر. كما شكرت جمعية “لمة الأصحاب” المنظمة لهذه الندوة والمحاورين “ابو لطيف وعابد”.

baalshmayfg

أبي مرشد

والقى كلمة “لمة اصحاب” رئيسها مرشد أبي مرشد، قائلاً: “لست اعلم إن كان عنوان زمن الانحطاط في الشرق مرادفاً لعبارة هذا الزمن العربي الردئ كما قال أحد المناضلين الراحلين. ولكننا سنستمر بالحديث عن مواجعنا ومواطن الخلل، علنا نرسم طريقا صحيحا او نحاول على الاقل . فشرقنا نحن هو جرحنا نحن. وطننا ماضينا حاضرنا الموجوع ومستقبلنا الغامض. فها نحن نعمل فعلاً للوصول إلى الشرق الجديد؟ وهل ميزان القوى الظالم في هذه المرحلة يسمح لنا بالعمل لكي نتحرر او نواكب الحضارة بحدها الادنى؟ وماذا عن هذا الميزان الذي يميل بفارق هائل بالقوة العسكرية والاقتصادية لصالح القوى الكبرى المستعمرة والعدو المزروع في بلادنا ذراع وهراوة؟ ثم ألا يعكس تقسيم المقسم من هذه البلاد مزيدا من الضعف في امتنا؟ فأين اصبح شعار الوحدة في مواجهة العدو. واين اصبحت كل الاحزاب والقوى التي رفعت هذا الشعار، اين المفكرين المناضلين الاحرار، واين هو الشرق؟

عابد

والقى المهندس مازن عابد كلمة قال فيها: “قد تكون هذه من أهم الندوات النادرة  التي تضيء على وجع الشرق، وتتميز بالاستقلالية والموضوعية والعمق، والناجحة من حيث جرأة طرح الموضوع والاطلاع الواسع للمحاضرين والمنهجية والمنطق”.

أضاف: “نشأنا في هذا الشرق المتعثر في تناقضه والمتأرجح بين سمو الفكر ودرك التخلف، وفي أرقى المدارس الفكرية والسياسية، لكن مع الاسف بعد عقودٍ من الزمن، يتحول الالتزام بالمبدأ الى استزلام للمسؤول، لنعود الى عشائرية جديدة وتقوقع جديد.” وقال: “للأسف قد يكون عهدنا هذا أسوأ من عصر الجاهلية عبر تأليه اشخاص يسيرون على الارض، فمن يحمينا من فائض القوة والسلطة لديهم؟”

سلمان

واستهل الصحافي  طلال سلمان كلمته بذكريات ريعان شبابه التي قضاها في مسكنه وعمله ببلدة بعلشميه. وحيا روح صديقه الراحل قائلاً: “أحيي طيف الصديق المبدع الذي فقدناه وهو في عز عطائه المميز الدكتور عفيف ابي فراج. ولعله كان بين ما يعزيني أن تكون شريكة عمره وانتاجه السيدة عائدة خداج ابي فراج قد حفظت بأهداب العين تراثه وأكملت اصدار كتبه المميزة، مضيفة اليها بعض ابداعها، وآخرها المجموعة القصصية “قمر يودع شهره وقصص أخرى”.

وتميزت كلمته بالمرارة والأمل في آنٍ واحد. حيث اعتبر أن “موضوع الندوة أخطر من أن يُختصر بكلماتٍ عابرة. لكونه يحتاج حلقة دراسية ممتازة يشارك فيها نخبة من المؤرخين وعلماء الاجتماع والبحاثة وأهل الفكر السياسي”.

Untitled1

وتابع: “إن زمن الانحطاط دهر، اختلطت فيه التركة الاستعمارية، بعد انهيار الامبراطورية العربية التي تقاسمها المماليك والتتار، قبل أن يأتي الصليبيون بجحافلهم وشعاراتهم المزورة التي استعادها المستعمر الاسرائيلي في فلسطين، وصولاً إلى السلطنة العثمانية بتركتها الثقيلة من التخلف والجهل والفقر والظلم”.

بعد ذلك جاء الاستعمار الغربي وكانت قد سبقته بعثاته التعليمية التي تصرفت بشكل فاضح الانحياز.. فتمركزت في مناطق محددة متيحة فرص التعليم امام بعض اللبنانيين دون بعضهم الآخر. ثم كان تقاسم منطقة المشرق بين بريطانيا وفرنسا، ووضع حجر الاساس للمشروع الاسرائيلي في اعقاب الحرب العالمية الأولى. ولمن نسي فان وعد بلفور بالوطن القومي لليهود في فلسطين العربية قد اعطاه من يملك لمن لا يستحق عشية انتهاء الحرب في خريف 1917.

وهكذا استولد الانكليز امارة شرقي الاردن من خاصرة سوريا، بينما احتلوا العراق وفرضوا عليه نظاماً مختل التوازن في اعقاب ثورة العشرين للتأسيس لمشروع الفتنة بين السنة والشيعة، يمكن تلمس نتائجها الآن.

وأعاد الفرنسيون تركيب لبنان بصورته الراهنة بعد ضم الاقضية الاربعة، أي الجنوب والبقاع والشمال فضلاً عن بيروت إلى متصرفية الجبل وهكذا استولدت الجمهورية اللبنانية على قواعد طائفية يصعب أن تستقر بنظامها الطوائفي ويكاد يستحيل اصلاحها لان اية ثورة للتغيير ستدمغ بالطائفية والمذهبية.. وهكذا تتحول إلى فتنة.

وشدد على أننا “لسنا في عصر الانحطاط… فلقد ثارت شعوب هذه الامة، من سوريا إلى العراق، وتقدمت مصر بعد خلع الملكية والانتصار على العدوان الثلاثي في العام 1956 لقيادة حركة التحرر الوطني، فأنجزت مشروعاً للوحدة بقيام الجمهورية العربية المتحدة في العام 1958.. وصحيح انها اسقطت في العام 1961 لكن ذلك لم يمنع من انتصار الجزائر على دهر الاستعمار الفرنسي الذي حاول تزوير هويتها بدوامه لأكثر من مائة وخمسين سنة .وكذلك فلقد انتفضت اليمن وخلعت إمام القرون الوسطى في ايلول 1962. ثم توالت الانتفاضات في العراق وسوريا.. وقام الجيش بحركته الانقلابية في ليبيا فخلع الملك السنوسي واعلن الجمهورية”. وقال: “إن هذه الامة امة حية.. وانتفاضاتها متوالية برغم قساوة الظروف وتركة التخلف الثقيلة وسرطان الطائفيات والمذهبيات والاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والهيمنة الاميركية على المنطقة، وانظمة الاستبداد التي استولدها التخلف والقهر وتغييب الشعوب عن القرار.”

baalshmayf

وخاطب الحضور: “صحيح أن ظروفنا الراهنة بائسة وقد تدفع إلى اليأس، لكن حياة الامم لا تقاس بالسنين. واحب أن افترض اننا نمر بمخاض طويل وصعب، ولكننا نعرف الآن ما نريد، والطريق امامنا طويلة وشاقة، ولكن ارادة الشعوب هي الاقوى والأبقى. ولسوف تكون الرحلة شاقة، ولكن الاهداف السامية تستحق التضحيات الغوالي. وهذا تاريخ الامم والدول العظمى أو الكبرى مليء بالفواجع والخيبات والحروب الاهلية. فالمهم الا نيأس، وان نواصل المسيرة في قلب الصعب. والأهم أن نتوحد خلف أهدافنا الجليلة فلا تغرقنا الطائفية والمذهبية والضعف ونقعد عن النضال”.

وختم بتحية امرؤ القيس شعراً:

بكى صاحبى لمّا رأى الدّرب دونه… وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا

فقلت له: لا تبكِ عينك إنما… نحاول ملكا أو نموت فنعذرا

لن نبكي، بل سنعمل وسنحاول حتى نحقق اهدافنا التي تستحق أغلى التضحيات.

 

أبو لطيف

واعتبر الدكتور مروان ابو لطيف ان تشخيص الأزمات يجب ان يكون دقيقاً كالتشخيص الطبي حتى يلاقي العلاج الحقيقي. وأسهب بوصفه لحالة هذا الشرق المكفهر بالمآسي وصفا دقيقا، معتبراً أن الأزمة التي وصلنا إليها هي نتيجة تراكمات جغرافية واجتماعية هائلة وليست وليدة المرحلة الراهنة. وعدد أسبابها بادئاً بدور الإستعمار عبر التاريخ رغم كل محاولات النهوض، التدخلات الخارجية بعيداً عن نظرية المؤامرة مع الاعتراف بأن أرضنا خصبة للتدخلات، ثم زلزال قيام إسرائيل في العام 1948 وما تلاه من حروب وصراعات قد تمتد لقرون.

1

ولفت إلى السعي الدائم إلى السلطة وحكم الديكتاتوريات التي ساهمت بتعزيوها البنية العشائرية للمجتمعات الشرقية وصولاً الى العلاقة الملتبسة بين الفرد والجماعة، والكبت المؤدي الى بروز الأنا الفردية.

وإذ لفت إلى مشكلة الفصام بين القول والفعل وبين اللسان والضمير، والمواجهات المذهبية وإعادة رسم خرائط الشرق لتغيير وجهه الحضاري، أشار الى محنة السلطة والسعي المستميت اليها وصولا الى الغاء العقل وقتل المتنورين، لافتا إلى التجربة الساطعة بعطاء القائد كمال جنبلاط واغتياله.

تم بعدها تقديم الدروع التقديرية للمشاركين. وكان حفل كوكتيل.

(الأنباء)