الثورة تركض على بطون الجوعى
محمود الاحمدية
14 سبتمبر 2017
منذ يومين وأثناء شرائي من إحدى المحلات حوائج البيت… الليسته العادية لكل أسبوع… وكانت المفاجأة الصاعقة: فلتان غريب في الأسعار… عندها غربلت الليسته واشتريت الأغراض التي لم ترتفع كثيراً وأبقيت على باقي الليسته لمحل آخر علّه يكون أنجع وأرحم ويخاف صاحبه ربّه وضميره…
وفي الطريق إليه بقي الرقم الفلكي الأهم ثمن كرتونة البيض: 8000 ليرة لبنانية وقبل أسبوع كانت: 4000 ليرة لبنانية أي ضعف السعر الأساسي عبر أسبوع من الزمن… وكان المبرر الضرائب!! قلنا لهم يا جماعة الخير هناك طعن في الضرائب قام به عشرة نواب وأخذ به المجلس الدستوري وسيبث بالقرار النهائي في 15 أيلول الحالي على أن توقف كافة إجراءات الضرائب المنزلة حسب القانون الجديد… كان الجواب بكل لامبالاة: يا أخي ما إجانا قرار رسمي بذلك؟! وما فينا نغامر وينخرب بيتنا!!
وعند وصولي للمحل الثاني واستعرضت الأسعار ويا محلى المحل الأول: حارة كل مين إيدو إلو!! بالعربي الدارج والمحلين أهم محلين في المنطقة… حتى لا يقال إنها جهل أصحاب المحلات الصغيرة… نعم سوبرماكت يعرفهم الجميع… واندلعت الصور في خاطري أنا المهندس صاحب مصنع وشعرت بالغبن وبالغش وبالفوضى من أعلى الهرم حتى أسفله وأول سؤال يطرأ على البال: أين وزارة الاقتصاد؟؟ أين مراقبتها لهذا الفلتان حيث لكل سعره وطريقته وحريته وأتحدّى أي مسؤول أرسل مراقبين إلى المحلات لمشاهدة الأسعار على الطبيعة وإنزال العقوبة بالمخالفين…
يا أخي هل نحن نعيش في عصفورية كبرى؟ هل نحن على مقربة من سادوم وعامورة جديدة؟ حتى تأتي عاصفة ثلجية مدمّرة تجمد أصحاب المحلات بقرب أسعارهم النارية فتحول الواقع إلى محكمة للضمائر ويرتاح فقراء بلادي الذين ينزفون ألماً وعذاباً وكأن المسؤولين في كراسيهم إصابتهم عادية التلذذ برؤية الآخرين من برجهم العادي ويطالبون بتوزيع البسكوت بدل الخبز ويبيعون الابتسامة حتى يرضى بعض الشعب البلاكرامة ولا عزة نفس وعندما يتعملق الجوع يندثر الفكر والوعي وعندما لا يفكر المرء إلا بمعدته الفارغة يتجوف تفكيره من حسّه الإنساني وبالحقوق وبالواجبات وتصبح الرسالة المثالية: الانبطاح…
قسماً بالله وعلى مدى العمر لم نشاهد واقعاً مأساوياً يشبه واقعنا الحالي… وعلى الشمال واليمين (تتشلقح) عشرات القصص في البيوت العتيقة ويزيد وجوه بعض المبيضين آكلي المال الحرام حماراً وخدوداً مورّده صدى لعهرهم وخبثهم وتشويه حقيقة الأوادم ومحاربتهم…
المعلم كمال جنبلاط قالها في يوم من الأيام: حزام الفقير الذي يلف مدينة بيروت وبهرجتها وأضواءها وأعراسها وفحشها، سيخنقها ويدمرها من الأساس، صدى لعذاب السنين والقهر… وفلتان الأسعار حلقة جهنمية تسرع في عملية الخنق لأن الناس مخنوقة في مشاعرها… في كيانها… في كرامتها… في عذاباتها…
كلام نابع من القلب والعقل والوجدان علّه يصل حيث يجب أن يصل! لعلّ وعسى!…
*رئيس جمعية طبيعة بلا حدود